حرف الواورسائل

الولاية البشرية

موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

رسالة عرفانية

باب في معرفة الولاية البشريّة‏‏ من قوله تعالى : { نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ }

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

اعلم يا وليي في الله تعالى إن للولاية البشريّة‏‏ علومها الخاصة وإنما نسرد في هذا الباب بعضاً من عوالم هذه الولاية البشريّة‏‏ من قوله تعالى : { .. نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ .. {41} الصف ، فقد علِمنا عندما سأل روح الله وكلمته { .. مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ .. {41} الصف ، علِمنا أنّ الروح إنما ظهرت في هذا الفلك الأرضيّ وقد جعل الله لها توابع من الأرواح الجزئيّة‏‏ والتي هي مُنبثقة أصلا عن الروح الكليّ إلا أنّها ذات تابعيّة‏‏ خاصة بلا روح مخصوص هي تابع له وهو أصلها المتبوع ، ولما كان السؤال صادر عن الروح المتبوع كلمة الله عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم عرفنا أن الروح المتبوع هو الذات الجامعة لكل تابعيه ولولا حقيقة التبعيّة‏‏ الروحيّة‏‏ المتحقق بها كل روح جزئي لما سمعنا المسيح عليه السلام يسأل هذا السؤال، فما سأل إلا ليتحقّق فيجمع الى ذاته كل حقائق تابعيه ولذلك كان السؤال منه { مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ } ، وإذا نظرنا بدقّة الى تلك الأرواح وجدناها تحت مسمّى النصر؛ وهم أنصار جمع مفرده ناصر ونصير فعرفنا سرّاً بديعا من أسرار الروح هو أن الروح المقدس المنفوخ في الإنسان لابد له من ناصر من خارجه هو روح داعم متحقّق بالنصر لمن هو ناصر أقصد الروح المتبوعة، ولمّا حدد الروح المتبوع جهة النصر بقوله { إِلَى اللَّهِ } عرفنا أن الروح المتبوع إنما تنادي على الأرواح الأخرى لتستقيم بها على ما يرضي الله تعالى ، ولمّا قالت الأرواح النّاصرة بصيغة إجابة للروح المتبوع { نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ } علِمنا أن الروح المتبوع إنما هو مقصود لظهور التجلي الأعظم من ورائه لقوله تعالى : { وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ {02} البروج ، فالحقيقة هي نصرة الله تعالى وصورة الحقيقة الظاهرة في الفلك الأرضي إنما هي صورة الروح التابع والروح المتبوع ، ولما كان الروح المتبوع هو مركز تآلف الأرواح التابعة حوله علمنا أن قوة سيادة هذه الروح هي عين قوة المَسُودين من القوى الروحيّة‏‏ التابعة هذا في الحضرة العيسويّة ،‏‏ ولمّا ظهر هذا المعنى في الحضرة المحمديّة‏‏ في الأنصار من أهل المدينة حيث سمّاهم الله معشر الأنصار بلسان نبيه محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ووجدنا أنه كروح متبوع فعل ما فعل بعد نصرتهم له وتوحدهم عليه وانطوائهم تحت لوائه فكان عنه ما لم يكن قبل قدومه الى المدينة المنورة علمنا أن الصورة بين الروح التابع والروح المتبوع هي نفسها الصورة التي رأيناها في الحواريين في الحضرة العيسويّة‏‏، ولما كان الروح المتبوع محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو خاتم الأرواح المخصوصة بالنبوة والرسالة ووجدنا أن الأرواح التابعة المؤلفة حوله تقاسمت أسراره من كونه روحاً متبوعاً علمنا ذلك الرابط وتلك العلاقة بين الروحين فما أُجمل في روح المتبوع تفرّق في الأرواح التابعة ؛ وما كان موجودا في الروح المتبوع بالقوة ظهر في الأرواح التابعة بالفعل ، فكل روح تابع من أنصار هذا الروح المتبوع الى الله إنما هو حقيقة سرّ من أسرار ذلك الروح المتبوع ، ومجموع الأرواح التابعة هو مجموع ما جمع في أحديّة‏‏ الروح المتبوع ومن هنا كان سرّ الروح المتبوع في معرفة الرجال من حوله فما وجد فيه سرّ من أسراره فهو تابع له ، وإن شئت قلت ناصر من ناصريه الى الله تعالى ، وإن شئت قلت نور من أنوار ولايته مع الله تعالى خرج منه الى حضرة التفصيل .

وعملياً  أسرار الرجال أنصار الله حول ذلك السرّ الروحي المتبوع إنما هي مجالي ولايته ومرائي خصوصيته حيث ظهرت روحه المتبوعة في مرآة كل روح من الأرواح التابعة ليظهر سرّ خاص على قدر مرآة ذلك السرّ والذي هو قلب الولي الناصر من الأرواح التابعة و من هذا الباب قال صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين بلال من آل البيت وفي موضع آخر قال  :

« سلمان منا آل البيت » فها هما بلال وسلمان عليهما السلام على الرغم من أعجميتهما في الظاهر فالأول حبشي والثاني فارسي إلا أنهما سرّان من أسرار بيت النبوة فهما من الآل وكل منهما مرآة قلب محمدي الذي ظهر فيها سرّ من أسراره الشريفة ولا نسب بين جسديهما وجسده الشريف صلى الله عليه وآله وسلم في الظاهر مع أنهما صورة سرّين من أسراره صلى الله عليه وآله وسلم في الباطن ولما كانت الروح التابعة حقيقة تفصيليّة‏‏ وسرّ من أسرار الروح المتبوع كان التحاق النسب الظاهر بالسرّ الباطن أقوى وكان عليه المعتمد وكان له الظهور وثبت به ما ثبت من نسب الصلب الحقيقي . 

(( فصل بل وصل )) بين النسب الصلبي والنسب الروحي حقيقة جليّة‏‏ روحها هذا الباب فإنك إذا نظرت في النسب الصلبيّ والنسب الروحيّ وجدت بينهما رقيقة ، رقيقة التعلق الحقّ وإن هذه الرقيقة هي في التعلق الروحي أقوى منها في التعلق الصلبي على عكس ما يظنه العامة من الناس ، فانظر يرحمك الله كيف خاطب الحقّ نبيّ الله نوح عليه السلام عندما أراد التحاق ابنه الصلبي به كيف فرق الله تعالى بينهما وأكّد لنبيّه أنه وإن كان بينك وبينه نسب صلبي إلا أن رقيقة التعلّق الروحيّ به مفقودة ومن هنا كان لابد من حصول التفريق بينهما ، وانظر يرحمك الله تعالى كيف أن الحقّ سبحانه وتعالى عدَّ فقدان هذه الرقيقة في التعلق الروحي وتبعيّة‏‏ الابن من كونه روحاً تابعة لروح النبيّ المتبوع عمل غير صالح وكأنه جل وعلا يريد منا الانتباه بشدّة الى أن النسب الروحيّ أقوى بكثير من النسب الصلبيّ إذا كان على حقيقة من نصرة الله وعلى تحقّق بتعلق الروح التابعة بالروح المتبوع ، فتأمل .

(( فصل بل وصل )) في حقيقة الأسرار المفصّلة في الأرواح التابعة وأنها مرتبة في الظاهر ترتيبها في ذات الروح المتبوع، فإننا عندما شهدنا الحضرة المحمديّة‏‏ في ظهورها ومن حولها أهل بدر عرفنا أن لظهور الأسرار التفصيليّة‏‏ ترتيب خاص دلّنا عليه الواقع المشهود ، ففي السرّ الأول ظهر الروح المتبوع الذي هو محور الولاية الجامع لأسرار أرواح التابعين المُجمل لتفاصيلهم تحت الاسم العظيم محمّد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، وكان السرّ الثاني النّصير للروح المتبوع الذي هو ثاني اثنين قد حوى ظهوره تحقّقات المرتبة الثانية التي هي أول مرتبة تفصيليّة‏‏ لروح تابع التي هي مرآة الإجمال الذي هو الروح المتبوع ، وانظر يرحمك الله كيف شرّف الحقّ هذا السرّ الروحي بشخص أبي بكر الصديق رضي الله عنه حيث قال إن إيمان الأمة لو وزن بإيمان أبي بكر لوزنه ، بل أن الأمة كلها لن تصل إلى ما وصل إليه ذلك السرّ المسمى بالصدّيقيّة‏‏ في المقامات ، وثاني اثنين في الغار ، والصاحب في العلاقات الاجتماعيّة ،‏‏ والخليل المفترض لولا سبق خلة الحقّ ، وأول من آمن من الرجال في عالم الالتحاق ، وخليفة رسول الله على عرش الحكم ، وعتيق الرحمن في الآخرة ، والكثير من الحقائق التي تحتاج بنفسها مؤلَّفاً خاصاً يدلنا على خصوبة وعظمة هذا السرّ التفصيلي من كونه روحاً تابعاً لروحه المتبوعة ، وكذا نزل عن مرتبته في قوة الالتحاق السرّ العُمَريّ الذي ارتفع عن بقيّة‏‏ الأسرار التابعة ، ففي حين طلب الروح المتبوع من أسراره الملحقات الماديّة‏‏ للأسرار التفصيليّة‏‏ عنه ، قدّم السرّ الصديقيّ كل تلك الملحقات الماديّة‏‏ بينما قدم السرّ العمريّ نصف تلك الملحقات الماديّة‏‏ ، وعندما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إظهار سرّ ترتيب الأسرار الروحيّة‏‏ المكنونة في ذوات الصحابة المُلحَقين بسرّه الأعظم فسأل السرّ الصديقي عن تقديم كل ماله وماذا ترك لعياله كان جواب السرّ الصديقي « تركت لهم الله ورسوله » ، وعلى نفس السؤال أجاب السرّ العمريّ أنه جاء بنصف المال وترك النصف الآخر لعياله ، فانظر رحمك الله تفاضل الأسرار الروحيّة‏‏ التابعة الذي تحلقت حول ولاية السرّ المتبوع وكيف أنها على ترتيب ونسق يتوافق مع تمثيلها لذواتها من كونها أسرار ولاية ذلك السرّ المتبوع، فالسرّ المتبوع يجمع كلا الحضرتين فهو من حيث الثقة بالله والتوكل عليه والتحقّق به صديقيّ السرّ ، فلا يخشى من ذي العرش إقلالاً ، وهو أيضاً من كونه سرّاً متبوعاً عُمريَّ الروح من حيث التشريع ، فهو يأمر بـ  { وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ .. {92} الإسراء ، فما أجمل هذه الأسرار الروحيّة‏‏ المفصِّلة لأسرار الروح المتبوع ، حيث ينزل كل منهم في صورته في الظاهر الذي ينقسم  كما هو كل منهم في سورته في الباطن الذي لا ينقسم . 

(( فصل بل وصل )) في عدد أهل بدر رضي الله تعالى عنهم ، لما علمنا كونهم أسراراً تفصيليّة‏‏ بلغوا من العدد ثلاثمائة وثلاثة عشر علمنا أن أهل الديوان الروحي الحاكم دولة الباطن الذي هو تفصيل مجمل روح المتبوع جملة يبلغ ذات العدد المذكور ، والذي أكد لنا صحة هذا العدد روحانيا في انقسام الولاية الخاتمة للولاية البشريّة‏‏ إلى ثلاثمائة وثلاثة عشر هو كون النبي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم خاتم الأنبياء والرسل وصورة جمع كل النبوات والرسالات قبله ، ولما ظهر عن إجماله هذا التفصيل على هذا العدد علمنا أن هذا العدد هو صورة الكمال وعدد التفصيل الحقّ المقصود من العالم .

وانظر نصرك الله تعالى إلى قوله في القرءان الكريم عن تمام وكمال هذه الحقيقة مجملة في المجمل الروح المتبوع والمفصلة في المفصل الذي هو الأرواح التابعة { .. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا .. {3} المائدة ، فصورة الكمال والتمام الإجماليّة‏‏ ولاية الروح المتبوع ؛ وصورة الكمال والتمام التفصيليّة‏‏ ولايات الأرواح التابعة .

ومن سرّ آخر هو من سورة الفتح الأعظم ، انظر ينصرك الله كيف أن الروح المتبوع قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر لقوله تعالى : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا {1} لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا {2} وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزاً {3} الفتح ، هذا لصورة الإجمال الحاوية لصور التفصيل الخاصة بالروح المتبوع ، ولما كانت الأسرار التفصيليّة‏‏ للروح المتبوع الثلاثمائة والثلاثة عشر من كونهم أرواحاً تابعةً فصّل الله في ذواتهم ما أجمله في ذات نبيّه ، كان لابد من ظهور مرتبة المغفرة المُطْلَقة التي خُلعت على صورة الإجمال وهذا ما حصل حقيقة ، حيث خلع الحقّ خلعة الغفران على كل الأرواح التابعة المفصّلة لأسرار الروح المتبوع حيث قال : « لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم » ، وضرب لنا مثلاً في صورة أحد الأرواح التابعة المسمى حاطب بن أبي بلتعة فأجرى على يديه ما يعرف بالخيانة العامة التي تستوجب حد القتل ، ومن ثم أظهر هذا السرّ فرفع عنه هذا الحد وأبقى على حياته ليؤكد بالظهور الكامل لهذه الحقيقة سريان رفع التحجير عن الذات المتبوعة إلى ذوات أسرارها التفصيليّة‏‏ التابعة لها والتي هي هنا على حقيقة هذا العدد فإننا قد علمنا يقيناً أنه لم يظهر هذا الظهور الخاص كما ظهر في زمن النبوة من حيث كمال الظهور و وضوح العدد و سريان التشرّع ورفع التحجير وتحقّق الحقيقة فتفكر في ذلك تجد العجب من الأسرار في الولاية وإجمالها وما يتفصّل عنها ورقائق أحكامها ودقائق عددها . 

(( فصل بل وصل )) في سرّ عدد أهل الديوان من عالم الأنفاس ، فاعلم جعلك الله منهم أنهم حقائق من أجملهم وجمع أسرار أرواحهم في أحديّة‏‏ روحه بأمر ربه ، فلما كان الزمان قد استدار على هيئته يوم خلق السماوات والأرض كما حدّث بذلك الروح المجمِل ( بكسر الميم الثانية ) في ولايته ونبوته ورسالته حينما كان ظاهراً عند تلك النقطة من الزمان فإنه بطن قبل تلك النقطة وبعدها ، وكان له قوله تعالى : { وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ {912} الشعراء ، فهي حقيقة مُطلَقَةٌ في تقلبه في الساجدين باقية إلى يوم القيامة وبهذا عرفنا أنها مرتبة المراتب التي لا تنبغي إلا لواحد ، فكانت له صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، أما العدد فإنه عند أهل الأنوار شين للثلاثمائة وهذه الشين هي عرش الحروف لجمعها كل أشكال الحروف، فما كان من الحروف بسنّ كحرف الدّال ، أو سنّين كحرف الباء ، أو ثلاثة كحرف العين ، أو أربعة كحرف السين ، وأقصد بالرابعة ختم تدويرة الشين الأخيرة فإن الشين تجمع كل تلك الأسنان ، وما كان من الحروف بلا نقطة كالرّاء ، أو بنقطة كحرف النون ، أو نقطتين كحرف التاء ، أو بثلاث نقط كحرف الثاء ، فإن الشين جمعت كل تلك الصور الحرفيّة‏‏ وبذلك كانت صورتها عرش صور الحروف ، ولما كانت صور الحروف تشكل كل صور آيات القرءان وافقت عرش صور الحروف وهو العدد ثلاثمائة لأن أسرار أنصار الله الصحابة أهل بدر هي صور السرّ المحمدي الظاهر في ذاك الأوان الذي هو زمن الظهور المحمدي بِسِرَّيْهِ السرّ المتبوع الإجمالي والسرّ التابع التفصيلي، وبقي من أسرار العدد ثلاثة عشر الذي هو عدد الأحديّة‏‏ في اسمه الأحد عند أهل الأنوار ، فكان مجموع السرّ العددي لولاية السرّ المتبوع هو  أحديّة‏‏ صور الأرواح التابعة . 

(( فصل بل وصل )) في كشف كل ولي مجمل للأسرار رجال التفصيل الظاهرين بأسراره الملتفّين حوله ، فاعلم عرّفك الله تعالى بذاتيّة‏‏ سرّك أن للعارفين بالله تعالى الذين خصّهم الحقّ بالخلافة وجعلهم أُولي الأمر منه أرواح تابعة هي صور ما أجملت ذواتهم من أسرار وبالمعرفة التي ذكرتها لك في هذا الباب يعرف كل منهم مكانه ومكانته ، فالعارف صاحب الوقت مبحوث عنه في كل زمان وهو في راحة في مخدعه يعرف من كان صورة من صور سرّه ومن كان صورة من الصور التابعة لصورة من صور سرّه وهكذا الأمر مهما سفل ، ولكن حديثنا هنا عن الأسرار التفصيليّة‏‏ من كونها أرواح تابعة للولاية في ذات السرّ المتبوع والمصطلح عليهم بالكلمة الشرعيّة‏‏ أهل بدر ، فصاحب الوقت يعرف صدّيقه إذا ظهر بمعرفة هذا الباب ويعرف كذلك صور أسراره الظاهرة كلها فيعرف عُمَرَهُ وعثمانه وعَلِّيّه وسَلمانه إلى آخر ما في ديوان أهل الأنْفَاس من الأسرار ، فلا بد لصاحب الوقت من تحقّق إجماليّ وظهور تفصيليّ للحضرة العيسويّة‏‏ الظاهرة في صِدّيقيته ، والإبراهيميّة‏‏ الظاهرة في عُمَريّته ، و هارونيّته الظاهرة في علّيه، ولقمانه الحكيم الظاهر في سلمانه وهكذا إلى آخر أسراره التفصيليّة‏‏ ، كما أن لهذا الباب سرّ آخر وهو أن لكل روح تابعة أسرار تفصيليّة‏‏ هي بالنسبة إليها أرواح تابعة تظهر في أشخاص إنسانيّة‏‏ ويكون هذا السرّ التفصيلي هو السرّ المتبوع بالنسبة لمن دونه ، وعلى وجه المثال أقول لك إن لصاحب الوقت ديوانه الذي تظهر فيه الصديقيّة‏‏ العيسويّة‏‏ والعمريّة‏‏ الإبراهيميّة‏‏ إلى آخر تفاصيل الديوان في حين أن لهذا الصدّيق العيسوي ديوانه الخاص به الذي يحوي صدّيقيته العيسويّة‏‏ وعمريته الإبراهيميّة ‏‏، كما أن للعُمريّة‏‏ الإبراهيميّة‏‏ الخاصة بصاحب الوقت ديوانها الخاص أيضاً فينبثق عنها تشخصات إنسانيّة‏‏ تفصل أسرارها المجملة فيه فيكون لهذا العُمر الإبراهيمي ظهور لصديقيّة‏‏ في ديوانه ولعمريّة‏‏ إبراهيميّة‏‏ أيضاً وهكذا إلى آخر ديوانه الخاص ، وبشكل عام لصاحب الوقت ديوانه، ولكل مقام من ديوانه له أيضا صورة خاصة عن هذا الديوان ، ولكل سرّ في هذا الديوان الخاص ديوان تفصيلي يفصل سرّه وهكذا إلى آخر العدد الذي هو الثلاثمائة والثلاثة عشر ، ولكن لا يقال أهل الديوان الذين هم أولو الأمر المأمورون كأمة بطاعتهم والذين لهم دولة الباطن المحرك للظاهر بـسم الله الرحمن الرحيم إلا لديوان صاحب الوقت حصراً ، وهؤلاء هم المحفوظون من التلبيس فلا يظهرون على أنهم صاحب الوقت الحقيقي فهم يَعرِفون تماماً مقاماتهم وأن ثمّة من هو فوقه وأنهم تابعون حصراً لصاحب الوقت الأصلي ، ومن هنا تستطيع أن تعرف من أين التبس على بعض الأولياء أنهم أصحاب الوقت ، وذلك لسببين ؛ الأول للتمويه عن صاحب الوقت الأصلي فيلتبس الأمر على من لا يعرفه أي واحد هو فهؤلاء الملبَّس عليهم من الأولياء الذين ظهروا بصورة صاحب الوقت الحقيقي ولا يكون إلا واحد في كل زمان كمثل الدروع الواقية والذوات الحامية التي يحمي الله بهم صاحب الوقت فرد الزمان الواحد ؛ والسبب الآخر لسريان سرّ صاحب الوقت في كل ديوانه فينبثق عن كل سرّ من الأسرار التفصيليّة‏‏ ديوان خاص به فإن قال كل واحد من أسراره أني صاحب الديوان فقد صدق في عين تلبيسه فهو صاحب ديوانه الخاص الذي يراه فيه من دونه والذي انحجب هو به عمن هو فوقه والذي هو مجمل في ذات صاحب الوقت الحقيقي لأنه ومن أسرار الديوان الأصل أن الأدنى يعرف من دونه ولا يعرف من فوقه ، فإن الأدنى يستطيع وسع أسرار أسفل منه وليس له سعة لحمل أسرار من هو فوقه فقد وصل إليك بمعرفة هذا الباب كيف نعرِف مرتبة كل واحد من أشخاص الزمان وأينيّة‏‏ مقامه ومن يمكن أن يكون دونه ومن يمكن أن يكون فوقه فتتعين المراتب على حقائقها ويرتفع اللبس في ذلك وفقك الله لتكون منهم ويعرفك على ديوانك الخاص في هذا العالم فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ووصيّتي لك هي توصية‏‏ الحقّ وأمره أن أوفوا العهد إن العهد كان مسؤولا . 

والله يقول الحقّ وهو يهدي السبيل والحمد لله رب العالمين

 


( من رسالة المجددية الأولى في الإشارة عن الهياكل النورانية للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى