باب في معرفة الهيكل الموافق – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

باب في معرفة الهيكل الموافق لـ الم عدداً في الحضرة المحمديّة

 

اعلم يا ولييّ في الله تعالى فتح لك الصورة لتصل إلى السورة أن هذا الهيكل من الهياكل النورانيّة‏‏ التي ظهرعلى الأرض تجلي وجوده أَلْفَ عامٍ ليُظهِر الله تعالى فيه حقائق وأنوار وأسرار تنبثق عن ثمانٍ وعشرين درجة من درجات هذا الهيكل ، حيث ختم فيه بروح القبضتين ، وافتتح درجاته بروح الإرسال ، وجمع بينهما بين روح الدعوة وروح المغفرة من جانب الفاعل خليفة الله تعالى في ذلك الهيكل وبين روح التمرد والكفران والانصياع والقبول من جانب المنفعل كتعيينات بشريّة ،‏‏ وفي هذا الهيكل علم الإرسال و علم الغفران وعلم الإنذار وعلم الإبانة وعلم الجهر وعلم الإسرار وعلم الإصرار .

وفيه أيضاً : علم الدّعوة وفيه ما يجب على الدّاعي أن يكون ، وهل تصرفه فيمن يدعوهم من الرحمة المعطاة له أم لا ، ومن أي باب دخلت عليه روح البطش والانتقام ممن خالفه في عين كونه راحماً لهم في دعوته إلى ما ينجيهم ، وفي هذا الهيكل أيضا علم ممانعة النور وعلم ممانعة النور للظلمة ومن أيّ مقام جاء ينقذهم فدعا عليهم وهل دعوته عليهم تشريف لهم أم إهانة .

وفيه أيضاً : علم استحقاق التّشريف لوجود روح الانقياد في ذات التعيين المراد تشريفه ، وانظر رحمك الله تعالى إلى الشياطين أمام الحضرة السليمانيّة‏‏ كيف أنها عندما تحقّقت بروح الانقياد له كانت الحضرة الإلهيّة‏‏ متجليّة‏‏ عليهم رغم كفرهم بها وشرك بعضهم بها متوجهة عليهم بالحفظ ، فقال تعالى : { .. وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ {28} الأنبياء ، ومن علوم هذا الهيكل أيضاً : علم انبثاق التكوين المادي عن التحقّق بالإيمان المعنوي .

وفي هذا الهيكل أيضاً : علم استجلاب التكوينات الماديّة‏‏ للتكوين الروحي حيث يشهد النازل في درجات هذا الهيكل حقائق هذا العلم وكيف أنّ عن جهاز التكوين النُطقيّ في حضرة معيّنة يُفَعِّل استجلابات معيّنة من الحضرة الإلهيّة‏‏ تظهر على جهاز التكوين التناسليّ ما هو زينة للتعيينات البشريّة‏‏ وأن الأمر مقسوم إلى شطرين كل شطر منهما جهاز تناسلي : 

– الأول علويّ يعطي الروحانيّات ؛ ويكون التناسل فيه تجليات لروح في أنوار .

– والثاني جهاز تناسلي سفليّ يعطي الجسمانيّات ؛ ويكون التناسل فيه تجلي أنوار في مادة .

وفيه أيضاً من العلوم البرزخيّة‏‏ : علم التقوى المجاورة للطاعة ، وفيه أيضاً : علم الأمر في العبادة ، وفيه أيضا علم الإعادة .

وفيه أيضاً : علم التأخير إلى أجل المسمى فيعرف النازل في درجته من هذا الهيكل ما الذي يؤثر في التأخير ، وعن أي شيء هو ، ويجد ذلك منبثق عن ثلاثة أنوار مقدّمها تحقيق العبوديّة‏‏ وإماميها التقوى والطاعة ، وأنه عن هذا التثليث يُوجِد الحقّ تعالى فِعلا – هو شقيق التأخير – وهو غفران الذنوب ، وفي هذه الدرجة وهي الرابعة من هذا الهيكل يُشهَد انفهاق الأنوار عن هذا التثليث الحاصل في الدرجة السابقة من اسميه تعالى المؤخّر والغفّار .

وفيه أيضاً : علم الزيادات بفرعيه وخصوصاً الزيادة الظلمانيّة‏‏، فيعرف المشاهد لدرجتها في هذا الهيكل أنّ النّور كما يزيد في النورانيّات بواعث الإشراق والقرب ، يزيد في الظلمانيّات بواعث الإظلام والبُعد ، فالنّور هو النّور وهذا من أعجب المسائل في هذا الهيكل فإنّ الدّاعي إلى الحقّ تعالى يأتي التعيين البشري فيضخ له النور يريد له السرور فإذا بالتعيين يزداد عتوّاً ونفوراً كما قال تعالى عن القرءان الكريم أنّه يهدي به من يشاء ويُضلّ به من يشاء  فالنّور هو نفس النور فمنهم راضٍ ومنهم مستاء .

وفيه أيضاً : علم الدخول على الربوبيّة‏‏ من باب الحضرة الغفّاريّة‏‏ وما يكون عنها من انفعالات ماديّة ،‏‏ وما هويّة‏‏ تلك الانفعالات فإذا عرف هويتها شهد في درجات هذا الهيكل أنها انفعالات عطاء و عَلِمَ هل هي بقصد التنعيم من حضرة الإنعام أم هي أعباء من حضرة الإذلال والإتعاب ، وإذا عَلِمَ أنها بقصد التنعيم من حضرة الإنعام عَلِمَ من أيّ حضرة كان ذلك؛ وعرف مرتبة ذلك الرزق عنده ؛ وعَلِمَ أنّ الله الرزاق إنما رزَقه كل ذلك من باب إملاء الخير .

وفيه أيضاً من علوم الربوبيّة :‏‏ علم الإمداد المخصوص بالإستجابة .

وفيه أيضاً : علم الإشارة إلى آيات الحقّ .

وفيه أيضاً : علم أمومة الأرض فيعرف الداخل في درجات هذا الهيكل من أين شابهت وبمَ كانت الأرض أمه .

وفيه أيضاً من العلوم البرزخيّة ‏‏: علم المكر بتوجهات اسم الله الكبير لا من اسمه خير الماكرين فقط ، فيعرف النازل في تلك الدرجة علما برزخيا من علوم الإضلال الناتج عن التمرّد، ويتعرّف على العلامة الخاصة التي يميّز بها الضالّ عن تمرد من اسمه خير الماكرين ؛ عن ذلك الضالّ الخارج من حضرة أخرى والتي هي – أي تلك العلامة – ظهور رائحة الكِبَر في عوالم الإضلال مما يؤكد للعارف خروج تلك الانفعالات عن توجهات اسم الله الكبير على الاسم خير الماكرين ، وإنّي لما دخلت في روح تلك الدرجة من هذا الهيكل اعتصمت بالله تعالى لما لحق بي من انقباض لعظمة تجلي الكبير على عوالم المكر حتى بتّ أخشى إلى هذه الساعة من تذكّر التحاق الاسمين معا وحضورهما ولو في مخيّلتي نعوذ بالله الرحمن الرحيم من كل كِبَر ومن كل مكر أُريد بنا، وما الدخول في هذه البيوت إلا لتحصيل المعرفة بالله تعالى والاستزادة منها عملا بقوله تعالى : { .. رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا {411} طه ، أما العمل بهكذا أسرار فإننا نتخلق بها في حياض حصانة الله الوكيل فهو الذي علّمنا كيف نتّقي به تجليات مثل هذه العوالم في هياكل الحقّ فهو الذي قال : { رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا {9} المزمل ، فأمرنا بالتوكيل فوكلّناه عن اختيار منّا لنسقط بذلك اختيارنا ما لا يختاره نعوذ به منه .

وفيه أيضاً علم الاتباع الظلماني : فيعرِف المحقّق هنا أنه لا بد من الاتباع وأن الرافض دعوة الدّاع بالحقّ لا يخرج عن الإتباع أصلا ، ويعلم أنّما اتباعه يكون لما يدعوه إلى موافقة الباطل الذي هو عليه فما من تعيين بشري إلا وله تابع ملحق به، وانظر رحمك الله تعالى كيف أن الجنّ من الثقلين لا يخرج أحدهم عن التبعيّة‏‏ لإمام له فقد قال حبيبي عز وجلّ : { .. كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا {11} الجن ، وفي تعيينات النّور الإنساني قال حبيبي عز وجل : { .. لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ {7} الرعد .

وما تلك العلوم التي ذكرتها لكم في هذا الهيكل إلا جزءٌ من كلّ؛ وبعضٌ من جمع؛ وقليلٌ من كثير، تذوب على شواطئه ذوات العارفين نوراً ينساب على جنبات الهيكل عشقاً سرمدياً توحّد بوارِقه ولوامِعه محبوبها الحقّ، فيتدفّق مِن مآقيها غدق العرفان ورحيق العلم الأزلي الأبدي { .. يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ {34} النور .

ولتعلم أيّدك الله بمعارف وعلوم هذا الهيكل أنّه مصبوغ بجمعيّته بتحقّقات الحضرة النوحيّة‏‏ وأنه في البحر التاسع بعد العشرين من ذاتيّة‏‏ التعيين الأول حقّقنا الله به وألحقنا بحسبه الروحيّ وبنسبه السبّوحيّ .  

والله يقول الحقّ وهو يهدي السبيل والحمد لله ربّ العالمين

 


( من رسالة المجددية الأولى في الإشارة عن الهياكل النورانية للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى