المَوجودُ الحقُّ – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

المَوجودُ الحقُّ

 

( بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرحيمِ ) هو اسمٌ يَفتحُ به اللهُ سبحانهُ وتعالى ما شاءَ لِمَن شاءَ .

وعندمَا يقولُ القرءانُ : ( بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ ) في افتتاحِ الكلامِ فهو يعني بمثابةِ إعلانٍ ذاتيٍّ ، وفرضٍ وجوديٍّ على العبدِ .

ماذا نعني بعبارةِ : فرضٍ وجوديٍّ على العبدِ ؟

أي بمجردِ أنكَ تقرأُ الكلماتِ التاليةَ في هذا الكتابِ فلتعلمْ يا وليِّي في اللهِ تعالى أنَّ هناكَ موجودٌ حقٌ هو الذي كتبَ هذا الكتابَ .

وأنك الآنَ إذا تلوتَ هذا الكتابَ أو سمعتَهُ أو صارَ عندَكَ إلهاماتٍ أو إشراقاتٍ أو شيئاً من الفتوحِ في كلماتِ هذا الكتابِ ؛ فاعلم إنَّما هي ( بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرحيمِ ) يعني : باسمِ هذا الموجودِ الحقِّ .

فبمجردِ أنْ قالَ ببدايةِ السورةِ : ( بِسمِ اللهِ ) فأنتَ أمامَ حضرةِ الألوهيَّةِ .

وأنتَ الآنَ في حالٍ من الأحوالِ يقولُ : أنكَ أنتَ الآنَ أمامَ حضرةِ وجودٍ محقَّقٍ .

لذلكَ فإنَّ القرءانَ الكريمَ لَمْ يناقشْ مسألةَ ( هلِ اللهُ موجودٌ أم غيرُ موجودٍ ) لأنَّ كلَّ سورةٍ بدأتْ بـِ ( بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرحيمِ ) ولا يمكنُ البدءُ بعدمٍ ، وطالما أنهُ لا يمكنُ البدءُ بعدمٍ .. إذاً معَ اللحظةِ الأولى معَ الحرفِ الأوَّلِ في القرءانِ الكريمِ إنما نحنُ معَ حضرةِ وجودٍ حقٍّ سواء شئنا أم أبَينا .

هذا ما تعطيكَ إياهُ الوهلةُ الأولى مِن ( بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرحيمِ ) لحظةَ افتتاحِ السورةِ ولحظةَ افتتاحِ أيِّ سورةٍ تبدأ بالبسملةِ ، ولحظةَ توجُّهِكَ نحوَ الاستماعِ لِموجُودٍ كَتبَ هذا الكتابَ ، وأنتَ مُقدِمٌ لتقعدَ في حضرتِهِ حتى تسمعَ لمَا سيقولُهُ لكَ .

إذاً أقولُ تلخيصاً لهذهِ الفكرةِ : أنَّ ( بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرحيمِ ) هي افتتاحٌ وجوديٌّ محقَّقٌ مِن موجودٍ حقٍّ كتَبَ الكتابَ وهو الآن يتوجَّهُ إليكَ ، وأنتَ تقرأُ ما توجَّهَ إليك إنمَّا تقرأُ باسمهِ هو .

وهذا معنىً وجوديٌّ محقَّقٌ فهو لا يحتاجُ إلى إثباتِ وجودٍ ، لأنَّ العدمَ لا يصدرُ عنهُ أفعالٌ ؛ ولا يصدرُ عنهُ أشياءٌ ولا يصدرُ عنهُ كتابٌ ، فطالما أنتَ الآن تقرأُ ( بِسمِ اللهِ ) فإنَّما أنتَ تطارحُ كتاباً معَ الموجودِ الحقِّ منَ الموجودِ الحقِّ ؛ فذلكَ إثباتُ الوجودِ الحقانيِّ حقيقةً ، سواءٌ فَهِمَ مَن فَهِمَ أو لمْ يَفهمْ ، فالحقيقةُ واقعةٌ دامغةٌ بوجودِها الواقع .

و بمجردِ تلاوتِك ( بِسمِ اللهِ ) هيَ بحدِّ ذاتِها حقيقةٌ .

وهنا أروي لكَ حادثةً غريبةً في فكرِها الإلحاديِّ :

حيثُ سمعتُ أحدَ الملحدينَ مرةً يتحدثُ مع ابنهِ في أحدِ أسواقِ دمشقَ ، وكانَ والعياذُ باللهِ مدعوماً من الحكومةِ ؛ فلا أحد يتجرأُ ويسألُهُ ماذا تفعلُ مِن كثرةِ تجبُّرهِ .

الملحدُ الكبيرُ لديهم قالَ لابنهِ : لماذا تسبُّ الربَّ ؟ – والعياذُ باللهِ –

قالَ الابنُ : لأني غضبانٌ !

قالَ : يا بُنيَّ إذا كانَ الربُّ ليسَ له وجودٌ كما نعتقدُ وإذا كانَ الربُّ غير موجودٍ فأنتَ تسبُّ شيئاً غيرَ موجودٍ ؛ وسِبابُ ما هو غيرُ موجودٍ حُمقٌ .

قالَ لهُ : نعمْ يا أبي .. صحيحٌ .. إذا كانَ غيرُ موجودٍ فأنا أسبُّ شيئاً غيرَ موجودٍ ، ولكنَّ كلَّ الملحدين أمثالك يا أبي يسبُّون الربوبيةَ دائماً وعلَناً ، هكذا سمعتُهم في مجالسِكَ ، وهذا يعني أنَّ الربَّ موجودٌ .

قالَ لهُ : لذلك يا بني .. من الآنَ فصاعداً لا تسب الربَّ ، حتى لا تثبت وجودَه.

قالَ : نعمْ يا أبي لنْ أسبَّ الربَّ بل سوفَ أستغفرُ اللهَ وأقولُ : أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وأشهدُ أنَّ محمداً رسولُ اللهِ ، وأتوبُ إلى اللهِ لأنهُ ثبُتَ لديَّ وعلى ألسنتِكم أنكم أثبتُّم أنه موجودٌ حقاً .

وعادَ هذا العبدُ عن إلحادِ أبيه وللهِ الحمدُ ؛ وتأثَّرَ أبوهُ بالفكرةِ على الحقيقةِ ، وبعدَ أن تابَ الابنُ بعدَ عشرةِ أعوامٍ تقريباً تابَ الأبُ ولكن توبةً غيرَ نصوحةٍ لأنهُ ما زالَ متأثراً بالأفكارِ القديمةِ ، وتحوَّلَ إلى إنسانٍ غيرِ ملحدٍ ناكرٍ، ولكنْ لمْ يتحولْ إلى إنسانٍ متدينٍ .

فالفكرةُ في هذهِ الحادثةِ واضحةٌ وهي أنه بمجردِ أنْ نقولَ :

( بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرحيمِ ) فنحنُ أمامَ الموجودِ الحقِّ.. الذي هو الله .. والذي هو موصوفٌ بالرَّحمنِ الرحيمِ ، وموجودٌ حقٌّ يتَّصفُ بأوصافٍ ، ولهُ وصفُ رحمانيةٍ ورحيميةٍ؛ إذاً هو موجودٌ حقٌّ .

لذلكَ فإنَّ وجودَ الحقِّ من اللحظةِ الأولى في القرءانِ الكريمِ لا نقاشَ فيه ولا جدالَ ولا شكَّ ولا ريبَ .

اللهُ موجودٌ ، واللهُ هو الموجودُ الحقُّ ، وكلُّ ما سواهُ مخلوقاتٌ .


للمزيد … يمكنك تصفح / تحميل كتاب تفسير بنور الله تعالى – البسملة (الجزء الأول) وذلك عبر الضغط على الصورة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى