الْعِلْمُ لَا يُغْنِي عَنِ الْخِبْرَةِ الْعَمَلِيَّةِ بِتَلْقِيْنٍ إرْشَادِيٍّ
أقُولُ فِي هَذَا السِّيَاقِ أنَّكَ فِي السُّلُوكِ إلَى اللهِ تَعَالَى تَحْتَاجُ لِأكْثَرَ مِنْ أنْ تَتَلَقَّى الْعِلْمَ ؛ بَلْ أنْتَ تَحْتَاجُ إلَى دُرْبَةٍ وَخِبْرَةِ الْحَيَاةِ بِمُمَارَسَةِ هَذِهِ الْعُلُومِ ، فَهَا هُوَ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أسْتَاذٌ فِي تَعْلِيْمِ الصَّبْرِ وَقَوَاعِدِهِ الَّتِي أرْسَاهَا فِي بَنِي إسْرَائِيْلَ احْتَاجَ لِيَتَدَرَّبَ وَيَتَعَلَّمَ عَلَى مُمَارَسَةِ الصَّبْرِ الْعَمَلِيِّ عَلَى أرْضِ الْوَاقِعِ فَاحْتَاجَ إلَى مُعَلِّمٍ يُشْرِفُ عَلَى تَدْرِيْبِهِ وَتَلْقِيْنِهِ وَلَيْسَ فِيْنَا مَنْ هُوَ أفْضَلُ مِنْ مُوسَى حَتَّى يَسْتَغنِي عَنِ الْمُعَلِّمِ وَالدُّرْبَةِ .
وَفِي الْقُرْءَانِ الْكَرِيْمِ مِثَالٌ وَاضِحٌ لِحَامِلِي عِلْمٍ بِلَا تَدْرِيْبٍ وَاقِعِيٍّ وَخِبْرَةٍ عَمَلِيَّةٍ فِي مُمَارَسَةِ مَا تَعَلَّمُوهُ وَهُمُ الأحْبَارُ الَّذِيْنَ قَالَ فِيْهُمُ الْحَقُّ فِي الْقُرْءَانِ الْكَرِيْمِ ( كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ) فَلَيْسَ الْعِبْرَةُ إلَّا لِعَمَلِ بِعِلْمٍ عَنْ رَشَدٍ فَتَنَبَّهْ تَرْشَدْ .
كَمَا أنَّ شَرَفَ هَذِه الْعُلُومِ يَجْعَلُهَا عُلُومَاً لَيْسِتْ لِلإلْتِمَاسِ أوِالْاخْتِبَارِ أوِالتَّذَوُّقِ التَّرْفِيْهِيِّ وَإنَّمَا هِيَ حَقَائِقُ تُطْلَبُ بِعُبُودِيَّةِ الْعَبْدِ مِنْ رَبِّهِ فَإذَا بِالْكَرَمِ الْإلَهِيِّ يُسْعِفُهُ بِهَا، وَيُنْعِمُ عَلَيْهِ بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ يُشْرِفُ عَلَى تَزكِيَتِهِ وَيُلَقِّنُهُ خُبُرَاتِهَا الْعَمَلِيَّةَ الْوَاقِعِيَّةَ الْحَيَاتِيَّةَ .
فَإنَّ الْحَيَاةَ الْمَعَاشِيَّةَ فِيْ الْوُجُودِ الْكَونِيِّ كُلِّهِ لَا تَتَفَاعَلُ مَعَ الْكِتَابِ وَلَا تَفْتَحُهُ وَتَقْرَأُهُ بَلْ تَتَفَاعَلُ مَعَ الإنْسَانِ الَحَيِّ وَبِمَا يَظْهَرُ مِنْهُ مِنْ أفْعَالٍ وَرُدُودِ أفْعَالٍ خَيْرَاً فَخيْر، أو شَرَّاً فَشَر .
فَإنْ أرَدْتَ تِلْكَ الْعُلُومَ فَاتَّقِ اللهَ لِقَولِه تَعَالَى : بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ { وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ .. {282} سورة البقرة .
وَهَذَا أمْرٌ لَنْ تَأتِيَهُ بِقُوَّتِكَ بَلْ تَأكَّدْ وَتَمَثَّلْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ { وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ {88} سورة هود .
( من كتاب علم الحقائق البرزخية بين الحضرتين الموسوية والخضرية للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب ) .
أقرأ التالي
3 أبريل، 2020
تشابك ارتقائي في الذكاء الروحي – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية
4 يونيو، 2020
علم الكشف الماورائي – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية
6 ديسمبر، 2016
الإتقان الروحي – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية
زر الذهاب إلى الأعلى