العطاء الرباني للأولياء – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

الْعَطَاءُ الرَّبَّانِيُّ لِلْلأولِيَاءِ عَطَاءٌ خَاصٌّ

 

كَمَا هُوَ مُلَاحَظٌ  فِي السُّورَةِ فَإنَّ الْكَشْفَ قَدْ حَصَلَ لِلْوَلِيِّ وَلَمْ يَحْصَلْ لِلنَّبِيِّ .. هَذَا تَقْدِيْرُ الْعَزِيْزِ الْعَلِيْمِ .. وَلِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى السُّورَةِ يُمْكِنُنَا الْقَولَ بِأنَّ اللهَ تَعَالَى يُمْكِنُ أنْ يُعْطِيَ الْوَلِيَّ مَا لَمْ يُعْطِهِ لِنَبِيٍّ وَفِي السُّورَةِ دَلِيْلٌ تَمَّ ذِكْرُهُ ، كَمَا أنَّ هُنَاكَ دَلِيْلٌ مِنَ الْحَدِيْثِ الشَّرِيْفِ :

” قَالَ عُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ عِبَادَاً مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلاَ شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ الأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِمَكَانِهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. قِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، خَبِّرْنَا مَنْ هُمْ ، وَمَا أعْمَالُهُمْ فَلَعَلَّنَا نُحِبُّهُمْ . قَالَ : هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ وَلاَ أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَ بِهَا فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ وَإِنَّهُمْ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ ، لاَ يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ وَلاَ يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ “ ، ثُمَّ قَرَأ : { أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {62} سورة يونس .

الْجَمِيْلُ فِي دِينِنَا الْحَنِيْفِ أنَّ هَذَا الْمَقَامَ الشَّرِيْفَ الْعَالِي يُمْكِنُ لِلْعَبْدِ الْمُسْلِمِ أنْ يَصِلَ إلَيْهِ بِالْعِلْمِ وَالإيْمَانِ الْمَضْبُوطِ بِالسُّلُوكِ عَلَى يَدِ وَلِيٍّ مُرْشِدٍ بِضَوَابِطِ الْقُرْءَانِ الْكَرِيْمِ وَالسُّنَّةِ الشَّرِيْفَةِ .

الْكَمَالُ جَمْعٌ لِعُلُومِ الشَّرَائِعِ وَالْحَقَائِقِ وَالتَّحَقُّقِ بِهَا :

تَعُودُ الْقِصَّةُ بَيْنَ سَيِّدِنَا مُوسَى وَالْخَضِرِ عَلَيْهِمَا الصّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَى قَولِ سَيِّدِنَا مُوسَى (( أنَا أعْلَمُ مَنْ فِي الأرْضِ )) وَهُوَ لَمْ يُخْطِئْ فِي قَولِهِ هَذَا فَالأنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ عَنِ الْخَطَأِ ، فَهُوَ الأعلَمُ بِالنَّظَرِ إلَى عُلُومِ الفَرَاعِنَةِ وَأحْبَارِ اليَهُودِ فِي وَقتِهِمْ وَالَّذِيْنَ كَانُوا هُمُ الأعْلَمُ بَيْنَ الْبَشَرِ، فَعِنْدَمَا كَلَّمَ اللهُ تَعَالَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أعْطَاهُ فِي تَجَلِّي النِّدَاءِ الْوَاحِدِ (( يَا مُوسَى )) 124000 عِلْمَاً ! وَإنَّ الْمُدَقِّقَ فِي قَوْلِ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَجِدُ أنَّهُ لَمْ يَقُلْ أنَا أعَلَمُ أهْلِ اللهِ ، أوْ أعَلَمُ الأنْبِيَاءِ أوْ أعْلَمُ الرُّسُلِ أوْ أعْلَمُ الْأولِيَاءِ أوْ أعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ .. وَلَكِنَّهُ قَالَ أنَّهُ أعْلَمُ مَنْ فِي الأرْضِ ، وَهُوَ صَادِقٌ فِي ذَلِكَ .

وَلِكَيْ لَا يَتَوَهَّمُ النَّاسُ أنَّ الْقَصْدَ فِي قَولِهِ هُوَ أنَّهُ أعْلَمُ أهْلِ اللهِ تَعَالَى أرْسَلَهُ إلَى سَيِّدِنَا الْخَضِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِكَيْ نَعْلَمَ أنَّ فَوقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيْمٍ ، فَحَتَّى إنْ صِرْتَ مِنْ أعْلَمِ أهْلِ الأرْضِ فَهَذَا يَعنِي أنَّهُ يَجِبُ عَلَيْكَ أنْ تَسْتَكْمِلَ مَعْرِفَتَكَ لِلْحَقَائِقِ وَتَسْتَمِرَّ فِي التَّلَقِّي لِتَكُونَ الأعْلَمَ ، لَا أنْ تَكْتَفِي بِسَقْفٍ مُعَيَّنٍ تَقِفُ عَنْدَهُ .. هَذَا مِنْ جِهَةٍ .

وَمِنْ جِهَةٍ أخْرَى لِاسْتِكْمَالِ بَعْضِ الْمَقَامَاتِ السُّلُوكِيَّة الَّتِي لَمْ يَكُنْ مُتَاحَاً لِمُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهُوَ فِي قَصْرِ الْفِرعَونِ أنْ يَستَوفِيْهَا .

وَهَذَا مَا لَمَسْنَاهُ فِي سَيْرِ صُحْبَةِ سَيِّدِنَا مُوسَى لِلْخَضِرِ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَكَيْفَ تَقَيَّدَ سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالتَّحْكِيْمِ الشَّرْعِيِّ التَّكْلِيْفِيِّ عَلَى حِسَابِ التَّحْكِيْمِ الشَّرْعِيِّ التَّحْقِيقِيِّ هَذَا الْأخِيْرُ الَّذِي يَضْمَنُ استِمْرَارَ الرَّحْمَةِ ، فَتَبَيَّنَ أنَّ الشَّرِيْعَةَ لَوِ اسْتَمَرَّتْ بِلَا خَرْقِ الْخَضِرِ لَفَارَقَتِ الرَّحْمَةَ ، فَفِي وَاقِعَةِ السَّفِيْنَةِ كَانَ خَرقُهَا يُنَافِي الشَّرْعَ وَلَكِنَّهُ تَأوِيَلَاً كَانَ أمْرَاً إلَهِيَّاً لِتَقُومَ الرَّحْمَةُ بِبَقَاءِ السَّفِيْنَةِ فِي مُلْكِ أصْحَابِهَا فَلَا تُنْتَزَعُ مِنْهُمْ .. وَهَكَذَا فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ تَجِدُ أنَّ الرَّحْمَةَ مِنْ وَرَاءِ خَرْقِ التَّحْكِيْمِ الشَّرْعِيِّ التَّكْلِيِفِيِّ .

 


( من كتاب علم الحقائق البرزخية بين الحضرتين الموسوية والخضرية للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى