الصدقُ يُفضي إلى الوُضوحِ الرُّوحيِّ الحتميِّ
عندما يكونُ الإنسانُ ممَّن يتمتعُ بصفةِ الصدقِ الرُّوحيِّ فهوَ بكلِّ تأكيدٍ إنسانٌ واضحٌ وصريحٌ نفسياً وعقلياً وتربوياً واجتماعياً .. الخ .
فأكثرُ البشرِ وللأسفِ لا يتمتعونَ بروحِ الصدقِ ولا توهُّجِ الوُضوحِ الرُّوحيِّ عنه ؛ بلْ بالعكسِ .. فحياةُ الأكثريةِ مبنيةٌ على المراوغةِ والزئبقيةِ وهذا ما يؤدي إلى تحطيمِ العلاقاتِ أينما كانت وبدونِ تحديدٍ .
الوُضوحُ الرُّوحيُّ في العلاقاتِ الحياتيَّةِ مهمٌّ جداً لنجاحِ العلاقاتِ في المجتمعِ ، فلذلك يجبُ استدرَارُهُ من روحانيةِ الصدقِ الحقيقيِّ .
ولعلَّ غيابَ عنصرٍ واحدٍ من هذين العنصرينِ ( الصدقُ الرُّوحيُّ والوُضوحُ الرُّوحيُّ المتوهِّجُ عنهُ ) يؤدي إلى فشلِ العلاقاتِ في الحياةِ وبالتالي يفقدُ سرَّ الحياةِ المتفوِّقةِ .
فأنتَ قد تكونُ صادقاً مع نفسكَ وتعي جيداً ماذا تريدُ وما هوَ لكَ وما عليكَ ، وتعي أولوياتِ العلاقاتِ حولكَ مثل علاقتكَ مع أهلك التي تختلفُ عن علاقاتِكَ بالأصدقاءِ وتختلفُ عن بيئةِ العملِ .. لكنك لا تملكُ الانسجامَ فيما تُظهرُه من تعاملاتِكَ ولا تستقبلُ من الآخرِ ما يتناغمُ مع داخلكَ ( بالموافقةِ أو الرفضِ ) لكنكَ لا تغيِّرُ شيئاً بسببِ توتُّرٍ وتراكماتٍ سلبيةٍ ، فأنت هنا تملكُ الصدقَ الاجتماعيَّ ولكن لاتملكُ روحَ الصدقِ ولا توهجَّهُ .
إذاً : المكاشفةُ والشفافيةُ منذُ البدايةِ أمرٌ صحيٌّ في العلاقاتِ ضمنَ ضوابطِ ما لكَ وما عليكَ كلٌّ حسبَ موقعِهِ .. وهذا بدورِهِ يصنعُ وضوحاً مصدرُهُ الصدقُ الخارجُ منكَ نحوَ الآخَرِ .
والفرقُ بينَ أن تملكَ صدقاً اجتماعياً ولاتملك صدقاً روحياً .. هو أنَّ الصدقَ الاجتماعيَّ يكونُ مجرَّدُ قالبٍ شكليٍّ … بحيثُ أنَّكَ كلَّما وقفتَ في نفسِ الموقفِ كان لابُدَّ لكَ من ممارسةِ نفسِ القالبِ الخاصِّ بالصدقِ .. في حين أنكَ ترى نفسَكَ غيرَ مضطرٍّ للصدقِ في مواقفَ أخرى تخالفُ هذا القالبَ الاجتماعيَّ المرسومَ في ذاكرتِكَ .. لذلكَ قلنا بالصدقِ الرُّوحيِّ .. فهومتدفِّقُ الحياةِ الذي لايتقولبُ ؛ والذي يكونُ حاضراً في كلِّ المواقفِ التي تستدعي الصدقَ منكَ .
إنَّ الوضوحَ الرُّوحيَّ في العلاقاتِ من أهمِّ أسبابِ الراحةِ .. فمعَ الوُضوحِ الرُّوحيِّ لا داعي لتبريرٍ أو تبيينٍ .. فهوَ كما النهارُ عندما ينكشفُ بضوءِ الشمسِ فيبدو عياناً يكشفُ عن نفسهِ العناءَ .. ولكن هناكَ استثناءاتٌ كما لكلِّ قاعدةٍ استثناءٌ ..
فمنَ البشرِ مَن هم مكلَّفون بأمورٍ خاصةٍ لا تحتاجُ للكشفِ والبيانِ ، ومن هذهِ الأسرارِ ما يحتاجُ للسترِ ..
وكذلك مَن يتصرَّفون كما تصرَّف سيدِّنا الخضرِ عليهِ السلامُ .. فيكون ظاهرُ الشيءِ ليسَ كباطنِهِ .. باطنُهُ رحمةٌ وظاهرُهُ عذابٌ ، فمَن تكلَّفَ بهكذا عملٍ لا يحتاجُ للإيضاحِ للآخرينَ حتى يتيسرَ إنجازُ ما كُلِّفَ به .
وكذلكَ فإنَّ الحياةَ العمليَّةَ تقتضي ( إتيكيتاً ) خاصَّاً في التعاملِ مع بعضِ الأطرافِ و ذلكَ بتوجُّهٍ معينٍ بشكلٍ عامٍ يقتضي فرضَ خصوصيةٍ معينةٍ أوبيانِها وإيضاحِها لهم .. لأنَّ في ذلكَ شيءٌ من الحكمةِ .. ولا يُعتبرُ ذلك كذباً أوتدليساً بل تنظيماً لما يودُّ الإنسانُ أن يصلَ إليه عبرَ فهمه للآخرينَ ، ويجبُ أن يكونَ التصرفُ مقبولاًمن الأطراف بحيثُ لا يؤدي إلى تصادمٍ بشكلٍ ما .
( من كتاب السر الروحي للحياة المتفوقة للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب ) .
أقرأ التالي
28 مايو، 2020
قاعدة رقائق تعشق تنزه – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية
29 نوفمبر، 2016
الرتبة الروحية – مرتبة الأرواح – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية
5 يونيو، 2020
الابتداء – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية
زر الذهاب إلى الأعلى