التَّوَهُّجُ القُدرَوِيُّ – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

التَّوَهُّجُ القُدرَوِيُّ

يَا وَلِييِّ في اللهِ تعَالى حَقَّقَكَ الحَقُّ بِمعرِفَتِهِ، سَبقَ أنْ قلتُ بِوجودِ هَمزَةِ وَصلٍ هيَ رَمزُ القُدرةِ الأزَليَّةِ في ذاتِ الكُنْهِ، وهيَ السَّريَانُ الذاتِيُّ لِلإطلَاقِ في مَجالِي الحَياةِ .

فَالحَياةُ الحَقَّةُ تَوَهُّجُ هذَا الوجُودِ المَحضِ؛ وتَوَهُّجُ الحَياةِ هوَ السَّريَانُ في ذَواتِ التَّجلِّيَاتِ :

فَمِنْ حَيثُ السَّرَيانِ يُسمَّى هذَا التَّوَهُّجُ الحَياتيُّ قَيُّومِيَّةً .

ومِنْ حَيثُ حَاكِميَّةِ الحَياةِ على كُلِّ مَظاهِرِها ومَجَالِيها وتجَلِّياتِها يُسمَّى قُدرَةً .

إذاً التَّوَهُّجُ قُدرَوِيٌّ .

إنَّ التَّوَهُّجَ القُدرَويَّ هوَ أخَصُّ تَجلِّياتِ الكُنْهِ، وذَلكَ لأنَّه المَعْبَرُالنِّسبِيُّ، والمُعْبِرُ النِّسبِيُّ مِنْ بَاطنٍ إلى ظاهِرٍ بِأمرِ الكُنْهِ، بل هوَ عَينُ أمرِ الكُنْهِ بِحَيثُ تَظهرُ طاقةُ الحَياةِ في التَّجلِّياتِ الحَياتِيَّةِ المُتَوَهِّجةِ عَنِ الهُوِيَّةِ بِهذَا العُبُورِ .

وهكذَا نَجِدُ أنَّ :

لِلهُوِيَّةِ حَياةً .

حَياةَ الهُوِيَّةِ قُدرَوِيَّةٌ .

تَوَهُّجَ الهُوِيَّةِ قُدرَوِيٌّ يُظهِرُ طاقةَ الحياةِ .

طاقةَ الحياةِ هيَ قوَّةُ كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ الكَامِنةُ فِيها بُطونَاً .

فَالكَثيرُونَ يُعبِّرُون عَنِ القدرةِ بِالطاقَةِ، وعَنِ الطاقةِ بِالقُدرةِ، ولا يُميِّزُونَ بَينَهما مِنْ جِهةِ المَعنَى الذِي تَدلُّ عليهِ تَعبِيرَاتُهما .

فَعَامَّةُ النَّاسِ وغالِبيَّةُ مُمَارسِي الطاقةِ في كَوكَبِنَا لايَعرِفُونَ أنَّ القُدرةَ هيَ الأصلُ، وأنَّ الطاقةَ هيَ مَظهَرُ ظُهورِهذِه القُدرةِ :

فَالقُدرَةُ تَوَهُّجُ الكُنْهِ بِنسبَةِ الحَاكِميَّةِ على التَّجلِّياتِ الحَياتِيَّةِ .

والطاقةُ هيَ ظُهُورُالقُدرَةِ بِتَجَلٍّ خَاصٍّ في الظاهِرِ .

وعليهِ نَستطِيعُ القولَ إنَّ القُدرَةَ بَاطِنةٌ، وأنَّ الطاقةَ هيَ ظُهُورُها، لِذلكَ تُقَاسُ الطاقةُ لِظُهُورِها المُتَعَيَّنِ، ولاتُقَاسُ القُدرةُ لِبُطُونِها .

و كُنْهُ الهُوِيَّةِ المُطلَقُ أطلَقَ على الطاقةِ التِي هيَ تَوَهُّجُ القُدرةِ اسمَ قُوَّةٍ، وأعلَنَ أنَّ القُدرةَ مِنْ كَونِه قَادراً، وأنَّ الطاقةَ مِنْ كَونِه قَوِيَّاً .

كَمَا نَستطِيعُ أنْ نَتَبيَّنَ جَلِيَّاً أنَّه بِهذَا التَّوَهُّجِ القُدرَويِّ لِكُنْهِ الهُوِيَّةِ إنَّمَا يُعلِنُ اسمَاً يَصِفُ وَصفاً خَاصَّاً بِه يُميِّزُ به نِسبيَّاً بَينَ :

تَوَهُّجِ الحياةِ بِوَصفِها السَّرَيانِيِّ الذِي عَبَّرَ عنهُ بِالقَيُّومِيَّةِ .

وتَوَهُّجِ الحياةِ بِوَصفِها حَاكِمَةٌ على التَّجلِّياتِ الذِي عَبَّرَ عنه بِالقُدرَويَّةِ .

وَمَظاهِرِ هذَا التَّوَهُّجِ الحَياتِيِّ في ظُهورِها الذِي عَبَّرَ عنه بِالخَلْقِ .

فَعَلِمنَا أنَّه خَلَّاقٌ، وأعلَمَنَا بِهَوِيَّتِه أنَّ اسمَه خَلَّاقٌ لِتَجلِّياتِ الحياةِ .

والحياةُ حَياتُه، ومَا الخَلْقُ إلَّا إظهَارُ مَاهوَ ثَابِتٌ في مَكنُونِ هُوِيَّتِهِ .

ومِنْ هذَا الكُنْهِ المُتوَهجِ حَيَاتِيَّاً، ظَهرَت النِّسبيَّةُ المُتحقِّقةُ ظُهورَاً في العِلمِ عَنِ التَّوَهجِ في تَوَهجِ عَينِ الهُوِيَّةِ، فإذا عَلِمنَا أنَّ الحياةَ حَقِيقةٌ في الهُوِيَّةِ كانَ ظُهورُ وَجهِ النِّسبَةِ الاعتِبارِيَّةِ – لِباقِي ظُهورَاتِ الحياةِ – في تَوَهجِ الحَياةِ، وبالتالِي يَكونُ :

في تَوَهجِ حَياةِ  كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ ظُهورُهُ .

في عَينِ كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ بُطونُهُ .

وعليهِ تَكونُ كُلُّ النِّسَبِ إنَّمَا هيَ ظَاهرَةٌ في رِحابِ التَّوَهجِ لا تَتعدَّاهُ، لأنَّها مُجَردُ أنْ تَتعدَّاهُ إلى العَينِ بَطَنَتْ وفَقدَتْ التَّعيُّنَ الظاهرَ، وهذَا لايَكونُ .

فَالنِّسَبُ أمرٌعَدَميٌّ، والعَينُ وُجودٌ مَحضٌ حَقٌّ، فَبِتوَهجِهِ أَخرَجَ مَكنُونَ عَينِهِ الحَيِّ الذِي سَمَّاه لَنا عِلمَاً، فَعلِمنَا بِذلكَ أنَّ مَكنُونَ عَينِ كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ مَعلُوماتٌ ذَاتيَّةٌ، وهذِه المَعلُوماتُ ثَابتَةُ الوجُودِ بِثُبوتِ الكُنْهِ الوجُوديِّ الصِّرْفِ، ولَولا هذِه الحَقِيقةُ في الكُنْهِ لَخرَجَت تَجلِّياتُ حَياتِهِ في مُستوَى التَّوَهجِ بِغيرِ حِكمَةٍ، ولَفَقدَتِ التَّرتِيبَ الذِي نَرَاهُ في الوجُودِ، وَلَمَا كانَ هُناكَ قَيُّوميَّةٌ في الأصلِ لِعدمِ ضَرورَةِ السَّريَانِ، وَلَمَا كانَ هُناكَ قُدرَةٌ في الأصلِ لِعَدمِ الحَاجةِ إلى حَاكمِيَّةٍ على مَظاهِرِ التَّوَهُّجِ الحَياتِيِّ، ولَكَانَ تَرَتَّبَ على ذلكَ بُطلانُ الظهُورِ والوجُودِ فَبَطَلَ عَنِ الكُنْهِ أنَّه حَيٌّ، وهذَا لا يكونُ لأنَّ كُنْهَ الهُوِيَّةِ المُطلَقَ وجُودٌ مَحضٌ حَقٌّ، فكانَ مُعَبِّرَاً عَنْ ذاتِ هُوِيتَّهِ أنَّه حَيٌّ بِعِلمٍ لا بِجَهلٍ، دَلَّ على ذلكَ النِّظامُ في ظهورِالنِّسبةِ في مُستوَى تَوَهُّجِ الحَياةِ القَيُّومِيَّةِ القُدرَويَّةِ سَرَيَاناً وحَاكِميَّةً .

إذاً هوَ الحَيُّ :

فَبِالهُوَ كانَ بُطونُ عِلمِهِ بِهُوِيتَّهِ وحَياتِهِ .

وبِالحَيِّ كانَ ظُهورُ عِلمِهِ بِهُوِيتَّه وحَياتِهِ .

وبِالحَيِّ كانَ ظُهورُ النِّسَبِ .

وبِالهُوَ بَطَنَت كُلُّ المَعلُوماتِ عَنْ أنْ تكونَ نِسَبَاً، فَاتَّصَفَت بِحُلَّةِ الوجُودِ، وامتَنَعَ في حَقِّها وَصفُ العَدَمِ .

 


( من كتاب الهوية للمفكر الإسلامي الشيخ د. هانيبال يوسف حرب ) .


 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى