الاسمُ يدلُّ على المُسمَّى – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

الاسمُ يدلُّ على المُسمَّى

اعلمْ يا وليِّي في اللهِ تعالى أننا عندما نقولُ :
( الشمسُ ) ، فإنَّ هذا الاسمَ يدلُّ على نجمٍ اسمُهُ نجمُ الشمسِ والذي يُعبِّرُعن الكتلةِ المتوهِّجةِ المشعَّةِ الحارَّةِ التي ترسِلُ أشعتَها الشمسيةَ .. فهذا المُسمَّى يدلُّ عليهِ اسمُ ( الشمسِ ) .

وهناكَ قرصٌ دائريٌّ نراهُ ليلاً ولهُ هيئةٌ تُسمَّى البدرُ ؛ ولهُ هيئةٌ تُسمَّى الهلالُ في أوَّلِ الشهرِ وآخرِ الشهرِ ولا يطلعُ إلا بالليلِ ولهُ تعاقبٌ في أوَّلِ الليلِ وحتى أوَّلِ النهارِ ؛ وله أهلِّةٌ في أوَّلِ الشهرِ حتى آخرِ الشهرِ .. الخ ؛ أي أنَّ لهُ خصوصيةً معينةً ؛ فإذا أردْنا أن نطلقَ على هذا المُسمَّى اسمَاً فإذا بِنا نطلِقُ عليهِ اسمَ ( القمر ) .. لأنَّ الاسمَ يدلُّ على المُسمَّى .

وكذلكَ الأمرُ في البسملةِ فإنَّ الاسمَ { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } يدلُّ على المُسمَّى الواحدِ ؛ فأنتَ في لحظةِ قراءَتِكَ لسُورةِ الفاتحةِ وعندَ قولِكَ : { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } إنَّما تعني بِما يفهمُهُ وعيُ كلِّ أحدٍ ( بسمِ الواحدِ الذي لا ثانٍ لهُ ) .

نَعمْ .. عندما نقولُ :{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } إنَّما نقولُ : بسمِ الواحدِ الذي لا ثانٍ لهُ .
واعلمْ ياوليِّي في اللهِ تعالى أنَّ حقيقةً من حقائقِ الوجودِ الكونيِّ الذي خلقَهُ اللهُ تعالى وهي : أنَّ كلَّ حقيقةٍ فيهِ إنما هيَ زوجيَّةٌ ؛ فاللهُ عزَّ وجلَّ خَلقَ مِن كلِّ شيءٍ زوجينِ .

وعلى سبيلِ المثالِ : فإنَّ السالبَ مُقابلُ المُوجبِ ، والفوقَ مُقابلُ التحتِ ، واليمينَ مُقابلُ اليسارِ ، والحبَّ مُقابلُ الكراهيةِ ، والأمانةَ مُقابلُ الخيانةِ ، والفرحَ مُقابلُ الحزنِ ، وهناكَ أشياءُ ربَّما يتعرَّفُ عليها الإنسانُ في بدايةِ حياتِهِ كي يستطيعَ أن يتعرَّفَ على تضاداتِها أو مناقِضاتِها أو معاكِساتِها في الحقيقةِ .

ولكنْ في بسملةِ الفاتحةِ هنا وعندما تمثِّل الألفاظُ حقيقةَ اسمٍ من أسماءِ اللهِ الذي هوَ ( الواحدُ ) نجدُ أنَّها لا تمثِّلُ إلا الواحدَ بلا مناقضٍ ولا معاكسٍ ولا مضادٍ ولا ندٍّ ولا شريكٍ ؛ واحدٌ يعني واحدٌ بواحديَّتِهِ المطلقةِ .

عندما تقولُ : { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } فأنتَ تتكلَّمُ باسمِ الواحدِ الذي لا ثانٍ لهُ ؛ لا شريكَ لهُ .. لا وزيرَ لهُ .. لا معيدَ لهُ .. لا مساعدَ لهُ .. ولا مساندَ لهُ ؛ أي أنَّكَ تبقى مع الواحدِ المطلَقِ وهذا من ميِّزاتِ الواحديَّةِ في البسملةِ .

أمَّا في الوجودِ الكونيِّ  فعندما ترى شيئاً أو شخصاً واحداً مثلَ رئيسِ الجمهوريةِ ؛ فهناكَ رئيسُ جمهوريةٍ واحدٌ لكلِّ دولةٍ ؛ إلا أنه يُقالُ لكَ :
– رئيسُ الجمهوريةِ رقم (45) أي كانَ قبلهُ (44) رئيساً للجمهوريةٍ أو (43) أو (42) وسوفَ يأتي بعدَهُ الرئيسُ رقم (46) و (47) أي أنَّ هناكَ مثيلَاً أو مُشابِهَاً لهُ .

لكنَّكَ عندما تقولُ : { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } وتَشهدُ ذاتُكَ معنى الواحديَّةِ في هذا المُسمَّى الإله فإنَّ ذاتَكَ تَشهدُ معنى اسمِهِ الواحدِ ؛ فأنتَ لا تستطيعُ معَ هذا اللفظِ أن تقولَ أو أن تتصوَّرَ أو تتخيَّلَ مُناقِضاً أو مُضادَّاً أو مُعاكِساً لأنَّ هذا من أسرارِ روحانيةِ اسمِ اللهِ الواحدِ .

إنَّ اسمَ اللهِ الواحدِ وبمجرَّدِ أن يقعَ في الوعيِ الروحيِّ للإنسانِ فإنَّهُ يُفنِي فيهِ كلَّ مُضادٍّ .

أمَّا في الوجودِ الكونيِّ فقد تقولُ : إنَّ للبيتِ باباً واحِداً ؛ إلا أنَّهُ يُمكنُ أن يكونَ لهُ بابَانِ مثلاً  أي أنَّ هناكَ احتمالاً ثانياً بوجودِ بابَين للبيتِ .

وعندما تقولُ : إنَّ في الغرفةِ كرسيَّاً واحدَاً فهلْ مِن الممكنِ أن يُصبِحا كرسيِّينِ ؟

نَعمْ .. هذا ممكنٌ وطبيعيٌّ جداً ؛ أي أنَّ الإدراكَ الذاتيَّ والروحيَّ والروحَ الواعيةَ الدرَّاكةَ تقبلُ في ذاتِها ، وكذلكَ فإنَّ عقلَكَ يَقبلُ في ذاتِهِ وجودَ اثنينِ من نفسِ النوعِ ؛ اثنينِ مِن الكراسي ؛ واثنينِ مِن الأبوابِ ، واثنينِ مِن الشبابيكِ ، واثنينِ مِن الكمبيوتراتِ ؛ واثنينِ مِن الطاولاتِ .. هذا أمرٌ عاديٌّ بأنْ تقبلَهُ لأنَّكَ تتكلَّمُ في الكونِ المتعدِّدِ ؛ ولأنَّ حقيقةَ الكونِ أنَّهُ متعدِّدٌ .

أمَّا عندما تأتي إلى حقيقةِ المُسمَّى الحقِّ وأنَّهُ واحدٌ  فأنتَ لا تستطيعُ أبداً أن ترى معَهُ مثلَهُ ؛  ولا أن تتصوَّرَ معَهُ نقيضَهُ ، ولا أن تتخيَّلَ معَهُ مُشابِهاً لهُ أو مُعاكِسَاً .. لماذا ؟ لأنَّ الألوهيَّةَ واحدةٌ لا ثانٍ لها ولا يمكنُ أن تتعدَّدَ وإلا انتقضَتْ في عينِ الوعيِ .. والألوهيَّةُ لا تُنتَقَضُ لسرِّ وَحدانيَّتِها .

فاللهُ تعالى واحدٌ في ذاتِهِ ؛ واحدٌ في أسمائِهِ ؛ واحدٌ في صفاتِهِ ولا ينقسمُ ولا يتجزَّأ ولا يَبيدُ ولا ينامُ .

وكلُّ الأمورِ التي درسْناها في عقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ تؤكِّدُ أنَّ الألوهيَّةَ حقيقةٌ واحدةٌ ، وعليهِ فإنَّ رحمانيَّتَهُ أيضاً حقيقةٌ واحدةٌ ؛ ورحيميَّتَهُ أيضاً حقيقةٌ واحدةٌ .

إذاً : { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } هيَ حقيقةٌ واحدةٌ لا ثانٍ لها ولا ثالثَ ولا رابعَ .. هذا في باطنِ الإدراكِ الذاتيِّ .

لذلكَ يا أوليائي في اللهِ تعالى رزقَكمُ الحقُّ فَهمَ الواحديَّةِ في البسملةِ : انتبهوا إلى أنَّهُ عندما جاءَ المشركونَ ليعمَلوا تعدُّداً لأكثرِ من واحدٍ ماذا فعلُوا ؟ جاؤوا بهذا الواحدِ المُسمَّى في وعيِهِم وأضافُوا عليهِ إضافةً أي أنَّهم زادوا عليهِ زيادةً  فادَّعُوا شريكاً معَهُ ، فهم أثبَتُوهُ أوَّلاً  من كونِهِ واحِداً ثم ادَّعُوا مَعَهُ شريكاً إضافيَّاً .. لماذا ؟

لأنَّ وعيَهم الذاتيَّ الذي فُطِروا عليهِ .. والغريزةَ الحقيقيَّةَ في الذاتِ البشريةِ لا تستطيعُ أن تقولَ إلا بوجودِ الأوَّلِ وبواحديَّتِهِ الذاتيَّةِ ؛ فبمجردِ ذكرِ { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } فهذا هوَ الواحدُ ، لذلكَ أشرَكوا معَهُ ما ليسَ بإلهٍ .


للمزيد … يمكنك تصفح / تحميل كتاب تفسير بنور الله تعالى – البسملة (الجزء الثاني) وذلك عبر الضغط على الصورة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى