الأنبياء كلمات تامات – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

الأنبِيَاءُ كَلِمَاتٌ تَامَّاتٌ

 

بِالعَودةِ إلى عِلمِ ” رُؤيةِ القَولِ بِالبَصرِ” نَجِدُ أنَّ كَلمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ هُمُ :

الأنبِيَاءُ والرُّسُلُ، قالَ تعَالى : { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } يس82 .

إذْ أرادَ اللهُ تعَالى مُحمَّداً الكَاملَ التَّامَّ فَقالَ لَه كُنْ مُحمَّداً فَكَانَ، (( فَمُحمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وصحبِه وسلَّم كَلِمَةٌ )) ، مَعَ العِلمِ أنَّ ” الكَلِمةَ كُنْهٌ مَخلُوقٌ ، واللهُ ذًاتٌ مُطْلَقَةٌ ” .

فَحِينَ نَقرأُ القرآنَ نَقولُ : ” أعُوذُ بِاللهِ مِنَ  الشَّيطانِ الرَّجيمِ “ ، ولِكنْ في مَسائِلَ أخرَى نَقولُ : ” أعُوذُ بِكلِماتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ” .

مَريمُ عليهَا السَّلامُ صَدَّقَتْ بِكلِماتِ رَبِّها التَّامَّاتِ (( فَسيِّدُنا عِيسَى عليهِ السَّلامُ كَلمةٌ تَامَّةٌ كَامِلةٌ ؛ و لَمَّا كانَ كَلمةً تَامَّةً كَامِلةً؛ كانَ كَلامُه تَامَّاً كَامِلاً )) ، فَقد وَردَ عَنه في القرآنِ الكريمِ : { وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } آل عمران49 .

فَهوَ عليهِ السَّلامُ يَخلُقُ والخَالقُ هوَ اللهُ، ويَبعَثُ الحَياةَ في المَوتَى والمُحيِّي هوَ اللهُ، ويَشفِي الأبرَصَ والأَكمَه والشَّافِي هوَ اللهُ، ويَعْلَمُ مَا في الغَيبِ والشَّهادَةِ وعَالِمُ الغَيبِ والشَّهادَةِ هوَ اللهُ .

فَاللهُ عَزَّ وجَلَّ كَاملٌ عَظيمٌ، وسَيِّدُنا عِيسَى عليهِ السَّلامُ كَلمَةٌ مِنْ كَلِماتِه التَّامَّةِ، فَأعطَاهُ اللهُ تعَالى خُلُقَاً مِنْ صِفاتِه العَليَّةِ (( فتَخَلَّقَ سَيدُنا عيسَى عليهِ السَّلامُ بِالكَلِمةِ الإلَهيَّةِ، وكانَ رُوحَ اللهِ على سَطحِ الأرضِ )) .

وكانَ سَيدُنا إبرَاهيمَ عليهِ صَلواتُ اللهِ وسَلامُه خَليلَ اللهِ، لَمَّا أرادَ اللهُ لِمعنَى الخِلَّةِ أنْ يَتجَسَّدَ على سَطحِ الأرضِ قالَ لِسيدِنا إبرَاهيمَ : ” كُنْ خَلِيلِي “ ؛ فكانَ على الأرضِ مُجسِّدَاً لِكلِمةِ اللهِ تعَالى .

ومِنْ كَلمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ العُلماءُ وَرثةُ الأنبِيَاءِ الذِينَ وَرِثُوا القرآنَ والسُّنَّةَ والعِلمَ الشَّرعيَّ والتَّعَالِيمَ، وكُلُّ ذلكَ المَورُوثِ هوَ حَقيقَةُ كَلمَاتِ اللهِ تعَالى، فَهُم وَرِثُوا كَلمَةَ اللهِ تعَالى، فَلا نَقبَلُ مُنافِقَاً يَدَّعِي أنَّه أعلَمُ أهلِ الأرضِ وكَلمَتُه غَيرُ نَافِذةٍ في الأكوَانِ، فهذَا مُخَالِفٌ لِمَا وَردَ عَنْ سَيِّدِ الأكوَانِ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وصحبِه وسلَّم، ومُخَالِفٌ لِمَا وَردَ في كِتابِ القرآنِ الكريمِ، و مُخَالِفٌ لِمَا أخبَرَنا إيَّاهُ رَبُّ العَالَمِينَ، فَفِي حَديثٍ عَنْ سَيِّدِ المُرسَلينَ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وصحبِه وسلَّمَ قالَ فيهِ : ” إِنَّ المَلائِكةَ لَتَضعُ أجنِحَتِها لِطَالبِ العِلمِ رِضاً بِمَا يَصنعُ “ ، فَالمَلائِكة تَكونُ على استِعدادٍ تامٍ وكاملٍ لِتلبِيةِ مَا يَقولُه طَالبُ العِلمِ، لأنَّه طَالِبُ عِلمٍ، وَ لأنَّ طَالبَ العِلمِ سَيصبحُ عَالِماً؛ والعُلمَاءُ وَرثةُ الأنبِياءِ، والنِّبيُّ قَولُه : {َ مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى {3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {4} النجم ، فَتكُونُ كَلِمتُه مِنْ كَلِمةِ سَيِّدِه؛ والتَّابِعُ لا يُفرَدُ في الحُكْمِ .

و لِتَوضيحِ القَاعدَةِ الفِقهِيَّة أنَّ ” التَّابِعَ لا يُفرَدُ في الحُكْمِ ” نَضرِبُ مَثَلَاً : اليَدُ تَابعَةٌ لِلجَسدِ فَأيَّ قَرارِ حُكمٍ يَظهرُ على الجَسدِ سَتَكُونُ اليَدُ مَعَ الجَسدِ حَتماً واللسَانُ والجَوارِحُ .. ونَحنُ أَتبَاعُ سَيِّدنا مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وصحبِه وسلَّمَ لا نُفرَدُ في الحُكْمِ، حُكْمُنا حُكْمُ الرَّسُولِ مُحمَّد صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وصحبِه وسلَّمَ: { .. وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } الحشر7 ، فَلأنَّنا أتبَاعُه صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وصحبِه وسلَّم ليسَ لَنَا حُكْمٌ لأنَّ الحُكْمَ للهِ عَزَّ وجَلَّ { .. فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ } غافر12 ، و لأنَّه صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وصحبِه وسلَّم {َ مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى {3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {4} النجم ، فَحُكمُه تَابعٌ لِسيِّده اللهِ سُبحانَه وتعَالى، فَنُلاحظُ التَّدرُّجَ بِالمقَامَاتِ { .. فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ } غافر12. هذِه هِيَ الفكرَة والخُلاصةُ البَسيطةُ .

 


( من كتاب علم رؤية القول بالبصر للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى