الأسمَاءُ الحُسنَى هِيَ صُورَةُ الجَمعِ
رُبَّمَا يَتَوارَدُ إلى أذهَانِنَـا تَسَاؤُلٌ بأنَّ عَدَدَ الأسماءِ الإلهيَّةِ بِشكلٍ عَامٍ أقَلُّ مِنْ عَددِ المَخلُوقَاتِ فَكيفَ لِكُلِّ مَخلُوقٍ اسمٌ خـاصٌّ ؟
والإِجابَةُ هِيَ كالتَّالِي : في القُرآنِ الكَرِيمِ عَددُ الأسماءِ الإلهيَّةِ المَوجُودَةِ فيهِ /117/ اسماً، مِنهَا أسماءٌ حُسنَى عَددُها بِالوضعِ الإلهيِّ /99/ تِسعٌ وتِسعُونَ اسماً ،لأنَّ الأسماءَ الإلهيَّةَ ليسَتْ فَقط الأسمَاءُ الحُسنَى فَهنَاكَ أسماءٌ حُسنَى وعُظمَى ، وهُنَاك اسمٌ أعظمُ والاسمُ المُفرَدُ ، وهُناكَ الأسماءُ القرآنيَّةُ ، أسماءُ الذاتِ ، أسماءُ الصِّفاتِ ، أسماءُ الاشتِرَاكِ ، أسماءُ المُلْكِ ، أسماءُ التَّنزِيهِ ، أسماءُ النُّعوتِ فَبَحرُ الأسماءِ الإلهيَّةِ عِبارةٌ عَنْ بَحرٍ هَائِلٍ نَعرِفُ منهُ السَّاحِلَ، ولَمْ يَستَطِعْ أحدٌ حتَّى الآنَ، ولَن يَستطيعَ أنْ يَصِلَ إلى أُفُقِـهِ كَبَحرٍ فَكُلما خُضْنَـا وأبْحَرنَـا في بَحرِ الأسماءِ الإلهيَّـةِ نَجِدُ المَزِيدَ .
أَستَطيعُ أنْ أضرِبَ مِثالَاً : أحرُفُ اللغَةِ العَربيَّةِ على اجتِمَاعِها كُلِّها /28/ حرفاً، ويَخرجُ مِنها مِنَ الألفاظِ والجُمَلِ والتَّعبيرَاتِ تَنوُّعٌ وخُصُوبةٌ لَانِهايَةَ لَها فَكَيف بِـ /99/ تِسعٍ وتِسعِينَ اسماً من الأسماءُ الحُسنَى، ولَكنْ لَيسَتْ هِيَ كُلُّ التَّفَاصيلِ بَل هِيَ صُورةُ الجَمعِ لِجَميعِ أسمَاءِ الكَونِ التِي نَعرِفُها، والتِي لَا نَعرِفُها التِي عَلَّمَها سُبحَانه وتَعَالى لِلعِبَاد والتِي لَمْ يُعَلِّمْها، والتي استَأثَرَ بِهَا في عِلْمِ الغَيبِ عِنْدَه قَد يُعلِّمُها لِأحدٍ في الوجُودِ مِنَ الأزَلِ إلى الأبَـدِ، وقد لَا يُعَلِّمُهـا لِأحـدٍ .
كما جَـاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ : ” أسأَلُكَ بِكُلِّ اسمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَو عَلَّمْتَهُ أحَدَاً مِنْ خَلْقِكَ أو اسْتَأثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ .. ” .
كَلمَةُ استَأثرتَ بِهِ يَعني أنَّ هُناكَ أسماءً إلهيَّةً نَحنُ لَا نَعرِفُهَا، ولا نَستَطيعُ التَّعرُّفَ عَليها لأنَّها مِمَّا استَأثَرَ اللهُ بِهِ ” أسماءٌ خاصَّةٌ “ ولَكِنَّ الأسماءَ الحُسنَى بِالذَّاتِ مِنْ خُصُوصِيتِهَا أنَّهَا جَامِعَـةٌ لِكُلِّ الأسماءِ كُلِّ الأسماءِ على الإطلَاقِ، كَمِ اسمٍ يُوجَدُ في الكَونِ مِليَارُ مليارُ مليارُ اسمٍ هَذه الطَّاقاتُ الكَونيَّـةُ إنَّما هِيَ مُدرَجَةٌ فِي الأسماءِ الحُسنَى، وإدرَاجُ هَذهِ الطَّاقاتِ فِي الأسماءِ الحُسنَى يُقَـالُ لَهُ : عِـلْمُ طَـيِّ الأنـوَارِ ..
كَما أنَّه حَبيبِي عَزَّ وجَلَّ طَوَى عُـلُومَ الكَونِ كَمَا جـاءَ في الحَديثِ الصَّحِيحِ :
( أنَّ اللهَ طَوَى عُلُومَ الكَونِ كُلَّهَا في الكُتبِ السَّمَاويَّةِ الأربَعَةِ المُنَزَّلَةِ، وَطَوَى عُلُومَ الكُتبِ الأربَعَةِ في القُرآنِ الكَرِيمِ، وجَمَعَ عُلُومَ القُرآنِ الكَريمِ في المُفَصَّلِ ” مِنْ سُورَةِ قَ إلى آخِرِ القُرآنِ “، وجَمَعَ عُلُومَ المُفَصَّلِ في الفَاتِحَـةِ .. ) .
فَسُورَةُ الفَاتِحَـةِ هِيَ كَالأسماءِ الحُسنَى /99/ التِّسعَةِ والتسعِينَ اسماً، فَعِندَما تَقرَأُ الفَاتحَـةَ تَكونُ قَد قًرأْتَ عُلُومَ الكَونِ كُلَّهَا جُملَةً وَاحِدةً في /7/ سَبعِ آياتٍ ، وكَذَلك عندَما تَقرأُ الأسماءَ الحُسنَى فَكَأنَّمَا قَرأتَ عُلُومَ الكَونِ كُلَّها .
فَالأسماءُ الحُسنَى وإنْ كَانَت مَحدُودةً في العدد /99/ التِّسعِ والتسعِينَ اسماً فَقَط إلَّا أنَّها مُطلَقَـةُ التَّجَلِيـاتِ، هَذا الأمرُ يَجِبُ ألَّا نَغُضَّ البَصَرَ عَنه لأنَّهُ مَحَطُ فَهْمٍ وارتِقَـاءٍ ونُورَانِيـَّةٍ، فَالأسمـاءُ الحُسنَى مَعدُودةٌ لَكِنَّها غَيرُ مَحدُودَةٍ، مِنَ الأزَلِ إلى الأبَدِ هُناكَ تَجَلياتٌ مِنْ هَذه الأسمـاءِ لا تَنتَهِي .
عِندمَا نَقولُ الاسمَ المُتَجَلِّيَ فَلَيسَ مِنَ الضَّرورَةِ أنْ يَكونَ مِنَ الأسماءِ الحُسنَى، فَهُناك أسماءٌ لَم يُعلِّمْها لِأحدٍ، وهنَاك أسماءٌ لا يَعلَمُها إلَّا القَليلُ على سَطْحِ الأرضِ، مَثَلاً في السُّنَّةِ الشَّريفَةِ وَرَدَ اسمُ الطَّبيبِ، مَنْ يَعرِفُ أنَّ اسمَ اللهِ ” الطبيبِ “ لَيسَ مِنَ الأسماءِ الحُسنَى، قَالُوا لِسَيدِنَا أبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ عندَما مَرِضَ : أَنَأتِي لَكَ بِالطبِيبِ ، فَقَالَ : الطبيبُ أَمْرَضَنِي، نَبَّهَهُم أنَّ الطَّبيبَ هُوَ اللهُ سُبحَانَه وتَعَالى ، فَقَالَ : هُوَ مَنْ أَذِنَ لِيْ بِهذَا المَرضِ فَلَا أُنَازِعُهُ . حَبيبِي هَذَا مَا يُريدُه ، وَأنَا أخضَعُ لِمَا يُريدُ الحَبيبُ ، فَهوَ الطَّبِيبُ ، وإذا لَمْ يُطَبِّبَني فَمَنْ سَيَفعَلُ ؟ . لو لَمْ يَقُلْ أبُو بَكرٍ الصِّدِّيقُ هذَا الكَلَامَ فَمِنْ أينَ سَنَعلَمُ أنَّ اسمَ اللهِ الطَّبِيبَ ، اسمٌ خاصٌّ عَلَّمَهُ لِسيدِنَا أبِي بَكرٍ، ونَحنُ بِحَسَنَة هَذا الإنسَانِ، بِبَركَة شَيبَةِ أبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَلِمْنَا أنَّ اسماً مِنْ أسمَائِه الطَّبِيبَ .
أبدَلَ الطَّاءَ بالحَاءِ فَصَارَتْ الحَبيبَ فاسمُ اللهِ ” الحَبيبُ “ لَيسَ مِنَ الأسماءِ الحُسنَى، ولَكِنَّه مُدْرَجٌ ضِمنَ اسمِ اللهِ الـوَدُودِ، وَهُوَ مِنَ الأسماءِ الحُسنَى ، فعِندَما نَقُـولُ الوَدُودَ فَقُلتَ فَقَد قُلنَا حَصرَاً ضِمنَـهُ الحَبِيبَ .
( من كتاب علم الاسم المتجلي الأعلى للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب ) .