إضاءة على علم الفوح من بعض أدلة الروح
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .
الروح هو اسم من أسماء القرآن الكريم الخمسة والخمسين ، وكذلك فقد سُميت آياته روحاً كما سُمي الوحي القرآني روحاً لما يحصل به من حياة القلوب والأرواح .
أما تعريف الروح : فهو جسم نورانى مخلوق علوي خفيف حي متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء ويسري فيها سريان الماء في الورد وسريان الدهن في الزيتون والنار في الفحم .
أما عن مصدرها فإنها ربانية جاءت من الحق وتعود إليه ، وما من جسد أو طاقة أو ظاهر إلا وله روح ، فالأرواح منها البشري ومنها الحيواني ومنها الجمادي ، حتى الأرض والجبال والكواكب لها روح ، وتختلف الأرواح في مراتبها فمنها العالي ومنها الداني .. إنا لله أرواحاً وأجساداً وإنا اليه راجعون أرواحاً وأجساداً .
فالروح كانت في عالم الحق عين ثابته في ذات الله تعالى وإليه ترجع ، ولاتنسى الروح ما سبق ( قبل تنزلِّها في الجسد ) بل تُحجَب عنه وهي تعي أنها مخلوقة .. ولكن لحظة دخولها الجسد الجنيني للإنسان تحتجب عنها هذه المعرفة إلى أن تموت أو ترتقي في حياتها الدنيا بالسلوك ، فالبعض يعودون إلى تلك المعلومات بزوال الحجاب عنهم بعد تزكية وسلوك إلى الحق لتعود الروح إلى فطرتها الأولى الواعية الدرّاكة ، فغاية الروح ارتقائها إلى ربها بفنائها عن كينونتها ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ) .
ولا بد من الإشارة إلى أن لكلمة التكوين (كُن ) سلطان في التكوين ، إلا أن هناك تمايزات في الرتب من كون النفخة بالمباشرة من الحق تعالى كما حصل مع سيدنا آدم عليه السلام حيث خلق مادة جسده بكلتا يديه ونفخ فيه من روحه بالمباشرة ، أو عن طريق الملائكة كما حصل مع سيدنا عيسى عليه السلام وكلا النفختين ( كن ) .
ومن الجدير بالذكر أن لكل الأرواح الإنسانية ماهية واحدة معروفة الكُنه للخاصة من العلماء والأولياء وهي ليست مادة إلا أنها تتجسد مادة ، وليست طاقة وهي مفعمة بإصدار الطاقة ، وتشترك الأرواح بالمصدر والماهية والخصائص إلا أن لكل روح مواصفات وإمدادات على حسب استعداد كل منها وبذلك يحدث التفاضل بين الأرواح ، وإنَّ أمر خلق روح قبل روح أمر وارد جداً .. ولكن ليس له علاقة بالتميز والتفاضل بل إن التميز والتفاضل قائم من تجليات إلهية خاصة على الأرواح ومقدار استعداد الروح للإمداد ، أما من حيث الطهر والدنس فإن عالم الأِرواح عالم يتصف بالكمال ففيه الأطهر وفيه الأخبث ولذلك تتفاضل الأرواح في هذا الأمر .
كما أن سلطان روح على أرواح أخرى أمر ممكن وله شواهد في القرآن الكريم والسنة الشريفة ولكن بأي اسم ؟ فهذا غير محصور باسم معين ولكل سلطنة اسمها المشرف عليها .
ومن الأهمية بمكان معرفة أن الروح هي عين الأمر الإلهي ، لذلك فإن الأرواح تتنوع بما هي خارجة عنه من حضرات الأسماء الحسنى ، وكما جاء في الحديث الشريف : أن (كلٌ ميسرٌ لما خُلق له ) لأنه عن حضرة اسم الهي معين انبثقت الروح التي هي أمره عن ذلك الإسم ، فلكل روح هدف من خلقها وهذا الهدف هو السبب الذي خُلقت الروح لتحقيقه في عالمنا ولذلك يكون معها إذن خاص بحيث أنها حيث توجهت برز هذا الإذن الرباني الخاص فتيسرت أمور سيرها نحو هدفها لتحقيقه .. وهل عذاب الأرواح في الأرض إلا لأنها لم تفهم هدفها وما هي ميسرة له ؟! ولا يمكنها ذلك مالم يكن للإنسان مرشداً روحياً يدله على السلوك إلى الحق ، علماً أن إطلاق الروح بالسلوك لا يعني تركها لتدبير الجسد وإلا مات وتحلل ، ولكن الروح عند الإطلاق بالسلوك تصبح أكثر قوة في تدبير كل ما يخصها فهي : تسرح في البرزخ وتزور الأقارب وتتمتع بجنتها وتتواصل كل ذلك بوقت واحد .. فهذا من قدرات الروح .
كما أن من إمكانيات الروح إذا خرجت من جسدها المادي أن تتجسد كما تشاء بأي شكل كان تريده كما حدث في تاريخنا الإسلامي وذكر القشيري وغيره عن ولي من أولياء الله تعالى اسمه ( قضيب البان ) وكيف كان يتجسد بالهيئة التي يريدها فرأوه تجسَّد في المسجد منبراً وتارة أخرى سجادة على الأرض .. وكثيرة هي الحوادث التي تتحدث عن تجسد الأولياء بشخوص مختلفة غير شخصياتهم .. ، وخير دليل ومثال على ذلك هم الأنبياء إذ ماتوا في قبورهم على صورة ، وصلّوا خلف النبي في المسجد الأقصى على صورة أخرى ليلة الإسراء ومنهم موسى عليه السلام إذ قابل النبي عليه الصلاة والسلام في السماء السادسة في المعراج فهذه ثلاث صور جسدية لروح موسى ، واحدة في القبر ، والثانية في الأقصى تصلي, والثالثة في السماء .
ومن هنا ننطلق إلى التأكيد على أن التناسخ في الأرواح باطل و قد ثبت خطأ هذه الفكرة عقلاً وشرعاً وتجربةً ، كما أن عالم الأحلام وإن كان للروح سلطان فيه إلا أنه يختلف عن عالم الأرواح .
أما فيما يخص الروح والجسد فإن الروح غير الجسد وأن النفس يُطلق على اجتماع الروح والجسد معاً ( مجتمعان ) فلا تفهم أننا نجعل الروح هي الجسد .. ، ولكن في تفاسير القرآن الكريم هناك بعض الآيات التي يأتي بها ذكر النفس بمعنى الروح من باب المجاز اللفظي وبتغليب معنى الأقوى على الأضعف اي بتغليب معنى الروح على الجسد في حالة النفس .
وبمجرد إجتماع الروح والجسد يكون موضوع الحاكمية بينهما على عاتق الأقوى فمن كانت ذاتيته أقوى حكم الآخر ، فتارة يتبع الروح الجسد وتارة يتبع الجسد الروح ، وبالجملة فإن الأقوى منهما هو المتحكم بالكيان المجتمع منهما ، ولكن عند نزول الجسد إلى القبر فإن الذي يتعذب الروح وجسدها الجديد في عالم البرزخ والذي هو صورة من صورها أما الجسد المدفون فهو يبدأ بالفناء .
كما أنه عند الموت تخرج الروح من الجسد وتبقى رقائق النور منبثقة من الروح إلى كل ما يخصها في هذا العالم بما فيه الجسد ، وهذه الرقائق لا تنقطع عن الجسد حتى يتحلَّل مادياً فتبقى موجودة معنوياً و بها يعيد الروح لَمّ شمل ذرات البدن الفانية عند البعث فتعرف كل ذرة مادية مركز الروح أين موجود في العالم وتجتمع عليه .
هذه الإضاءة تعتبر قطرات من فيض رباني جادَ به سماحة علَّامة الديار الشامية الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب حفظه الله تعالى من خلال اُمسيات متتالية اكتنزت بعشرات الأسرار البديعة الخاصة بعالم الروح .
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل والحمد لله رب العالمين .
( من كتاب علم الفوح من بعض أدلة الروح للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب ) .