أنْوَاعُ الوِلَايـَةِ
بَعضُ العُقولِ الخَفيفَةِ التِي لَمْ تَتَشرَّعْ وتَفهَمْ هذِه العُلومَ فِي القُرآنِ الكَريمِ بِهذَا العُمقِ ، لمَّا وصَلَتْ إلى مَرحلةِ التَّحرُّرِ ظَنُّوا أنفُسَهم أنَّهُم مُطلَقِينَ ، فَقَالُوا : أنا الله ، هُم ليسُوا اللهَ بَل عَارِفينَ بِاللهِ ، ولمَّا استَيقَظوا قَالُوا : إنَّهُم لَمْ يَتَحرَّروا ، لَمْ يَصِلوا إلى الإطلَاقِ بَل تَحرَّروا بِنَوعٍ مِنَ الحُريَّةِ مِنْ حَضرَةٍ بَرزَخِيَّةٍ ، وهي حَضرةُ الأسمَـاءِ .
تَكشَّفَتْ لَهمُ الحَقيقَةُ المُطلَقةُ فَظنُّوا أنَّهم مُطلَقونَ ، ولمَّا رَجَعُوا إلى وَعيِهم استَغفَروا اللهَ وبَكَوا وقَالُوا : العبدُ لايُطلَقُ وإنَّمَا الإطلَاقُ كُلُّه للهِ سُبحَانَه وتَعَالى . اللهُ سبحَانه وتَعَالى إكرَامَاً لِهَذِه الحُريَّة عَنِ القَيدِ ، وهذَا النُّزوعِ البَشريِّ إلى الحَقيقَةِ ، وإكرَامَاً لِهذَا الشُّعورِ النَّبيلِ بِالسُّموِّ والارتِقَاءِ نَحوَهُ اعتَبَرَهُ بِالاعتبَارِ الإلَهيِّ كَامِلاً ، فَسُميَّ الإنسانُ الكَــامِلُ وَلِيَّاً ، ولَكِنَّ الكَمَــالَ للهِ وَحــدَهُ ، فكَمالُنــا البَشريُّ هوَ كَمَالٌ نِسبِيٌّ عِبـارَةٌ عَنْ مَرتَبَةٍ وتَشرِيفٍ .
مَثَلُ رَجلٍ قــامَ بِبُطولاتٍ في الحَربِ فَسمَّوه عَميداً ولِواءً وعَقِيداً ، نحنُ أيضَاً فَعَلنــا بُطولاتٍ في التَّخلِّي عَنِ القَيدِ فوَصَّلَنَا اللهُ سبحَانـه وتَعالى إلى مَرتَبةِ الكَمَــالِ البَشريِّ ، فَصَارَ اسمُنَا الكَــامِـلين .
فَإذا استَطاعَ هذَا الكَاملُ البَشريُّ أنْ يُخلِّصَ ذَواتَ الكَائنَاتِ ويُطلِقَها ، ويُوصلَها لِلحريَّةِ على أبوابِ التَّحرُّر الإطلَاقِيِّ سُمِّيَ كَامِلاً مُكمِّلاً ، وصَارَت وِلايَتـُـه عَامَّــةً ، لأنَّـه أصبــحَ اسمٌ يُشرِفُ على بَقيـــةِ الأسمـاءِ ، وتَنـدَرجُ تَحتَـه الأسمـاءُ لِيُحرِّرَهـــا نَحـوَ الحَـقِّ .
أمَّا إذا استَطاعَ أنْ يُحرِّرَ نَفسَه مِنْ قُيُودِها ، ورجعَ بِاللهِ ، فَوجهُهُ إلى النَّاسِ مُقيدٌ ، ولكنَّ ذَاتَه وقَلبَه نَحوَ الحَقِّ في حَالةِ تَحرُّرٍ أصبحَ اسمُه كَاملاً ، ولكنْ لايَستطيعُ أنْ يُخرِجَ غَيرَه مِنْ حُجُبِه ورُعُوناتِه وقُيودِه وذَاتِيتِه ، فَيُسمَّى كَاملاً غَيرَ مُكَمِلٍ ، وبِالمُصطَلحِ يُسمَّى وِلايَةً خَاصَّةً ، فَهذَا الـوَلـيُّ هوَ على تَكشُّفٍ ومَعرِفــةٍ باسمـِهِ المُتجلِّي الأعـلَى ، ولكنْ لايَستطيعُ أنْ يُعرِّفَ الآخَرِينَ على أسمَائِهمُ الذَّاتيـَّــةِ .
( من كتاب علم الاسم المتجلي الأعلى للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب ) .
أقرأ التالي
4 يونيو، 2020
خصوصية المقامات – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية
5 يونيو، 2020
المركب الواصل – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية
زر الذهاب إلى الأعلى