أرضُ التّأسيسِ
في يوم الرَبّ ، في ساعة العليم ، الليلة قبل الأخيرة ، وصل المَلِك العَبْد و خُدّامه إلى أرض التّأسيس الأصليّة ذات الأسس البَهيّة و المَطَالِع السَنِيّة ، و هي في وارِد وقتي و في بُنْيَة بَحْثي ثلاثيّة .. تِرمذيّة و عربيّة وهانيّة .. صُوفيّة أكْبَريّة مُجَدّدِيّة ، أصليّة تطويريّة تجديديّة ، جذريّة ساقية ثمريّة .. ترابيّة فَنُطَفِيّة فَرَجُلِيّة .. رَحِميّة فرحمانيّة فرحيميّة ..
أمّا في التِرمذيّة الصُوفيّة الأصليّة الترابيّة فقد قال الإمام الحَكِيم رضي الله تعالى عنه صاحب الذَوْق الحَكيم عن مسائلٍ .. هي في التصوّف وسائلٌ .. لِمعرفة معدن المَسؤول .. مِنْ خلال سؤال السائل .. و هذا الباب تبسُطه المُجَدّدِيّة لمْ أسْبُق إليه في تفصيل مَنْشَأ الأصل السّؤالي في خَتْم الأولياء للتِرمذيّ [1] ، فالمَلِك العَبْد يرى أنّ أصْل أسئلة الحَكيم هي غَيْب العليم، كَوْن الأسئلة مائة و خمسة و خمسون ، و مِنْ هذه الأسئلة يُعرَف ذَوْق الوليّ بعد ثبوت الولاية له ، فلا يَعْرِفُ الإجابة عليها إلا وَلِيّ ، و أقَوْل ذلك مِنْ باب الذَوْق الخاص ، أمّا مِنْ باب العِلْم فيمكن لأيّ شخصٍ كان حِفْظَها عن ظَهْرِ قلبٍ و الظُهُور بها في أيّ دربٍ ، إنّما كلامنا عن الأذْوَاق؛ لكلّ ذوّاقٍ ؛ لمِنْ عَرَفَ المَذَاق بعد أنْ اغترف و ذَاق ، و إليك هذا المُسَاق ؛ مُذاق سِرّ العدد في عدد أسئلة الحَكِيم مِنْ غيب العليم في سِرّ المَدَد .
أمّا المائة و الخمسون فهي عددُ اسْمِه تعالى العليم، و هذا الاسم الشريف له عند أهل المَطْلَع أسماءٌ أربعةٌ هي البَاطِن ، القَاهر ، الرَبّ ، الجَامِع ، و عند أهل الأنْوَار ما عند أهل الأسرار مِنْ عِلْم المراتب ، و العارفون بالله مِنْهم يزيدون عليهم فيجعلونها واحداً و ثمانون بعد المائة .. و لمّا كان العِلْم مِنْ حَضْرة العليم كان لابدّ له أنْ يتعلّق بهذه الوُجُوه التي لها القَاف و النُون .. و القَاف للشَطْر ( عل ) والنُون للشَطْر ( يم ) و ما أعظم هذا اليَمّ الذي لا تدركه إلا الأسرار في جمالِ جَمَالٍ و جَمَالِ جَلَالِ الأنْوَار مِنْ حَضْرة اسمه تعالى النُور ، فإذا عرَفْتَ أنّ اليَاء و المِيم بسائط اليَمّ العِلْميّ علمتَ أنّ العِلْم هو البحر ، و البحر في حَضْرة العليم يمدّه الغيب الإلهيّ .. و مِنْ هنا ظهر ما ظهر مِنْ عِلْم السَتْر .. فكانت عبارات العِلْم المَكنون و الاسم المَخزون و ليس كلّ ما يُعرَف يُقَال .. و الغَيْب في مُلْك الضياء رمزه الهَاء .. وهي الشَطْر الثاني للشَطْر ( عل ) فصارت الفَرْدِيّة ( عله ) ، و عند علماء الحَرْف الهَاء تحفظ نَفْسَها و تحفظ غيرها ؛ فحَفِظَت ، و هي الجَزْم الصغير عَيْن جَزْمِها الكبير النون ، وهو مجموع اليَاء و المِيم عَيْن يَمّ العِلْم ، فكانتْ الهَاء خمسةٌ ، و كانت غَيْب ، و كان الباقي للاسم العليم .. فَتَحَصّلَ في واقعه كما هو رسمه .. و إليك هذا الأساس في أرض التأسيس :
فالجَزْم الصغير للعليم يساوي ستّة ، و خمسةُ الهاء ، فكان العدد إحدى عشر و هو عدد الكَاف في المرتبة لأعداد أنْوَار الكَاف .. و هذا هو حرف الحركة الأفقية الخاصة بالتّكوين ، و أما الجَزْم الصغير لهذا الكلّ غَيْب العليم فهو اثنان ، فما ثَمَّ إلا حَقٌّ و خَلْقٌ ، حَقٌّ مُعَرِّف و خَلْقٌ مُعَرَّف ، خالِقٌ عالِم عَارِف و حَقٌّ مَعْرُوف ، و هذه الأسئلة لِيَعْرِفَ العَارِفُ عِرْفَانَ المُعَرِّفِ الخَلْق عن المُعَرِّف الحَقِّ .
و مِنْ هذه الأسئلة موضوع هذا البَحْث سؤال الحَكيم التِرمذيّ رضي الله تعالى عنه :
1- بأيّ شيءٍ حازُوا العَساكِر ؟
2- أينَ مَقام الأنبياء مِنَ الأولياء ؟
3- بأيّ شيءٍ يفتتحون المُنَاجَاة ؟
إنّ لله مائة و سبعة عشر خُلُقاً ، ما تلك الأخْلَاق ؟
[1] في المسائل الروحية حصراً .