أحَدِيَّةُ الوجُودِ وكَلِمَةٌ مُخَالِفَةٌ لِآينِشتَاين – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

أحَدِيَّةُ الوجُودِ و كَلِمَةٌ مُخَالِفَةٌ لِآينِشتَاين

هذَا التَّصرِيحُ بالنسبةِ لِلأشخَاصِ العِلْمِيينَ في عَصرِنا الحَديثِ، قَد يَبدُو مُتنَاقِضاً مَعَ النَّظرِيَّاتِ المُثبَتَةِ لِعلمِ الفِيزيَاءِ؛ لَقد قَدَّمَ الدكتورُ ألبِرت آينِشتَاين النَّظرِيَّةَ النِّسبيَّةَ التِي تَقولُ بِأنَّ كُلَّ شَيءٍ في الكَونِ هوَ نِسبيٌّ، وأنَّ وُجودَ العَوَالِمِ المُختلِفةِ والأشكَالِ والظوَاهِرِ المُختلِفةِ يُمكِنُنا قِيَاسُها فَقط مِنْ مُصطلَحِ النِّسبيَّةِ؛ ولَكِنَّنَا قد قَدَّمنَا تَصرِيحاً يَقولُ بِأنَّ المُطلَقَ ومَعَ بَقائِه مُطلَقاً، يُعبِّرُبحَياتِهِ القَيُّوميَّةِ عَنْ ذَاتِه في الأحوالِ والمَقَاماتِ النِّسبيَّةِ لِلخَلِيقةِ؛ مَعَ بَقاءِ كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ  في صِفتِهِ الثابِتةِ التِي لا تَتغيَّرُ أبدأً، فَالحَياةُ تُعبِّرُعَنْ ذَاتِها بِالأشكَالِ والظوَاهِرِ المُختلِفةِ لِلخَلِيقةِ المُتنوِّعَةِ .

هَل هنَاكَ تَشابُهٌ بَينَ هذَينِ التَّعبِيرينِ ؟ الجَوابُ هوَ : أجَل . 

عِندَما يَقولُ آينِشتَاين إنَّ كُلَّ مَا هوَ مَوجُودٌ في الكَونِ يُمكنُ فَهمُه فَقط بِمُصطلحِ النِّسبيَّةِ، لَمْ يَكنْ خَاطِئاً لأنَّ نَظريَّةَ النِّسبيَّةِ التِي اكتَشفَها لَها عَلاقَةٌ فَقط بِأشكَالِ الحَياةِ الظاهِرَةِ في الخَلِيقةِ التِي هيَ مَجالُ عَمَلِ العِلمِ الفِيزيَائِيِّ .

مِنَ المُؤكَّدِ أنَّ مُحاوَلاتِ آينِشتَاين إنَّمَا كانَت لِكَي يُبَرهِنَ بِشكلٍ عِلمِيٍّ نَظرِيَّةَ الحَقلِ المُوَحدِ، وعلى مَا يَبدُو أنَّ آينِشتَاين كانَ مُدرِكاً بِوضُوحٍ إمكَانيَّةَ وُجودِ أسَاسٍ وَاحدٍ نِهائِيٍّ لِكُلِّ التَّنوُّعِ، قَاسِمٍ مُشتَرَكٍ وَاحِدٍ لِكُلِّ الخَلِيقةِ؛ أقَلُّهُ أنَّه كانَ يُحاوِلُ أنْ يُبرهِنَ وُجودَ عُنصرٍ وَاحدٍ في أسَاسِ كُلِّ الوجُودِ النِّسبِيِّ؛ عِندَما يَتوَصلُ عِلمُ الفِيزيَاءِ إلى مَا كانَ يُحاوِلُ آينِشتَاين أنْ يُبرِزَه بِنظرِيَّةِ الحَقلِ المُوَحَّدِ، سَوفَ يَتِمُّ اكتِشافُ عُنصرٍ واحدٍ في أسَاسِ كُلِّ الخَلِيقةِ النِّسبيَّةِ؛ مَعَ الخُطوَاتِ السَّرِيعةِ لِنموِّ الفِيزيَّاءِ النَّوويَّةِ، لَنْ يَكونَ بَعيداً اليَومُ الذِي سوفَ يَنجَحُ أحدُ العُلمَاءِ في إثبَاتِ نظرِيَّةِ الحَقلِ المُوَحَّدِ فِيزيَائيَّاً؛ رُبَّمَا سَيكونُ لَها اسمَاً مُختلِفاً، ولَكِنَّ المُحتوَى سوفَ يَثبِتُ مَبدَأ الأُحَاديَّةِ في وَسَطِ التَّعدُّديَّةِ، التِي هيَ الأُحَاديَّةُ الأسَاسيَّةُ لِلوجُودِ المَادِيِّ .

والتِي أقولُ عنها إنَّها أحَديَّةُ الوجُودِ، أحَديَّةُ الكُنْهِ المُطلَقِ لِلهُوِيَّةِ، أحَديَّةُ ذاتِ الوجُودِ المُتجلِّي بِالظهُورِ، وأحَديَّةُ الحَياةِ الحَقَّةِ، وَحدَانيَّةُ قَيُّوميَّةِ الحَياةِ السَّاريَةِ في التَّجلِّياتِ مِنَ الأزَلِ إلى الأبَدِ .

إنَّ اكتِشافَ فَلَكِ الحَياةِ الوَاحِدِ لِلوجودِ المَاديِّ سوفَ يُسَجِّلُ الإنجَازَ الأقصَى في تَاريخِ نُموِّ عِلمِ الفِيزيَاءِ، وسوفَ يَخدُمُ ذلكَ مُجتَمَعَ عِلمِ الفِيزيَاءِ ويُحوِّلُه إلى عِلمِ تَجلِّياتِ الذاتِ، وسوفَ تَخلُفُ نَظرِيَّاتُ العَقلِ والمَنطِقِ والأنَا اكتِشافَاتِ العِلمِ الفِيزيَائِيِّ على مُستوَى الحَدِّ الأقصَى أوِ الحَدِّ النِّهائِيِّ لِلتَّحقِيقِ في حَياةِ الوجُودِ الحَقَّةِ في حَياةِ العَقلِ، سوفَ يُحَدِّدُ بِالتأكِيدِ مَوقِعَ حَالةِ الوَعيِّ الصَّافِي الفَعَّالِ الذِي هوَ فَلَكُ الكَيَانِ التَّفَكُّرِيِّ خَلفَ كُلِّ الوجُودِ المَاديِّ لِلقِيَمِ المَاديَّةِ والعَقلِيَّةِ في الحَياةِ القَيُّومِيَّةِ .

إنَّ الفَلَكَ الأقصَى الذِي هوَ ذَاتيَّةُ كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ يوجد وَراءَ تَجلِّياتِ الظواهِرِ العَقلِيَّةِ، وهوَ حَقِيقةُ الحَياةِ بِسرَيَانِها القَيُّومِيِّ في كُلِّ التَّجلِّياتِ النِّسبِيَّةِ والمُطلَقةِ .

اِعلَمْ يَا وَلِييِّ في اللهِ تعَالى – ألبَسَكَ الحَقُّ أثوَابَ المَعرِفةِ – أنَّ عِلمَ الهُوِيَّةِ بِتجلِّياتِ حيَاتِها القَيُّومِيَّةِ بِكُلِّ مَظاهِرهَا النِّسبِيَّةِ والمُطلَقَةِ هوَ مَوضُوعُ مَعانِي عِلمِ الكَيَانِ التَّفَكُّرِيِّ لِلعقلِ والرُّوحِ، يُطوَى في عِلمِ كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ عِلمُ الحَياةِ القَيُّوميَّةِ الذاتِيَّةِ الذِي يَتَصرَّفُ في عِلمِ الرُّوحِ المُتعَالي على عِلمِ العَقلِ الذِي بِدورِهِ يُحاكِمُ عِلمَ المَادَّةِ التِي هيَ أيضاً بِدَورِها تَحكُمُ تَنوُّعَ الوجُودِ المَاديِّ بِمَا يُرِيدُه الكُنْهُ الحَيُّ القَيُّومُ .

 


( من كتاب الهوية للمفكر الإسلامي الشيخ د. هانيبال يوسف حرب ) .


 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى